backgrounds | Free Pics

الخميس، 23 فبراير 2012

الدوبلير (9)



-9-

     في الليلة السابقة ليوم الاحتفال بخطبته، وبعد أن أنهى مكالمته مع سلمى؛ يتمدد عمر على سريره، يبتسم وهو يفكر، ثم يخرج إلى البلكونة ليقف قليلاً في الهواء.. يرى السيارات تتحرك أمامه، يعود ليتذكر ما مر به في السنوات الماضية، لقد كانت له عدة علاقات لم يُكتب لها أن تكتمل، بعضها انتهت برغبته، وانتهت غيرها برغبة ليس له بها دخل ، مرت كسراب ماء رآه عطشان في صحراء، لم يرو عطشه، بعد أن  تبعه وسار على هدية فلم يجده شيئاً.. شعر بأن ما سيحدث غداً قد أصبح واقعاً؛ كما تجري العادة، نهاية طبيعية لشاب عازب، وبداية طبيعية لمرحلة تكوين أسرة يتقلد فيها منصب الأب، ويعيد الكرة ثانية، فيقوم الأبناء بنفس الدور، وهكذا تستمر دورة الحياة، لكن.. ما هذا الملل؟ ماذا بعد ذلك؟ أهي بداية لحياة مستقرة؟ أم نهاية لحياة منتعشة؟ أهي النهاية حقاً؟ زواج، فأبناء، فتربية الأبناء، فمسئولية.. ثم تمر السنون.. ثم يذهب ربيع العمر، ولا يبقى من خريفه إلا القليل، إلى أن تهطل الأمطار التي تأخذ ما تبقى من العمر وتروي به بذوراً جديدة تنهض لتقوم بنفس الدور؛ ما هذه الكلمات؟ ليس هذا ما فكرت به، تلك إذا كرة خاسرة، ماذا ينقصني الآن؟ لا شيء، أريد حياة سعيدة.. لم لا؟ ما هي السعادة؟ أجابته (حنين): هي السعادة.. حقاً إنها السعادة، تمضي الأيام وتبقى المشاعر التي تملأ حياتنا، لن تكون سعادة إن كانت كهذا المنزل، قوالب مبنية طبقاً لمقاييس ومعايير وحسابات، المشاعر ليست هكذا يا عزيزي.. المشاعر هي الإحساس الذي ينبع من داخلك، ويتأثر بما في داخل الآخرين، هي اللغة الصامتة التي تحركنا من تلقاء أنفسنا، تحب هذا، تبتعد عن ذاك، هي القوى الجاذبة التي تنبع من داخل أعماقنا التي لم نقرر أو نقيس أو نحسب مدى إمكانية توجيهها يميناً أو يساراً، ليست سوى تفاعلات لا تختلف عن ذرتين من الهيدروجين مضافاً إليهما ذرة أكسجين فيتكون الماء من تلقاء نفسه، لم يُكون نفسه، بل تكون من التفاعل، هكذا هي السعادة سيدي.. "هزمتني طالبة العلوم" هكذا تمتم بكلمات ثم ابتسم، تذكر (حنين) التي كانت تدرس بكلية العلوم، لكنها ذهبت منذ زمن ولم تعد، رحلت بعد أن تخلى عنها، لم يفرح برحيلها، ولم تفرح أيضاً.

                  ………………………………

     ذهب هاني لإبراهيم، لقد علم هاني ما آلت إليه الأمور، ذهب ليؤكد لصديقه أن ما مضى مضى، ليفكر في ما هو قادم، ذهبت سلمى، تمت الخطبة، ماذا عساه أن يفعل؟ هي من قررت، ولا شيء لديه ليقدمه، فقد قدمت خطواتها، وعليه أن يتأخر، لا مكان لخطواته الآن.. كان إبراهيم حزيناً، تلاقت المشكلات لتبدو الدنيا وكأنها تلقي بستار أسود على مسرح الحياة معلنة عن فصل آخر من الحزن المطلي بدموع لم تكن لتنتهي، هكذا عودته الأيام في الآونة الأخيرة، لم تكن لتقدم ما يدعوه لرفع سخطه وغضبه عنها، كلا؛ بل تمادت، وأغلقت عينيها، وصمت أذنيها، وتركته يصرخ من مكانه المعزول، لا أحد يسمعه، ولا راد لنكباته التي لم تقرر الرحيل، فظلت بجواره لتلازمه في وحدته.. "ما المشكلة الآن؟" هكذا تحدث هاني، واستمر في خطابه الحماسي، ما المشكلة حقاً، ذهب عمل لا فائدة منه سوى المزيد من التعب، وسيأتي الأفضل، وذهبت فتاة لم تكن لتستمر طويلاً بجوارك.. "لم تذهب" هكذا رد إبراهيم مسرعاً.. " بل ذهبت.. تمت خطبتها اليوم" هكذا تحدث هاني بهدوء حذر، "ماذا تقول بربك؟ هل جننت؟" رد إبراهيم بعصبية ووقف منزعجاً.. " إنه ما حدث"  وأكمل هاني: "أعتذر إن كانت أزعجتك كلماتي، لكنني أردت أن أنقل إليك خبراً علمت به، عليك أن تبدأ حياة جديدة وتحسن اختيارك هذه المرة، لديك الوقت لتتعلم مما مضى".

                   ………………………………

     لم تكن سلمى أفضل حالاً من إبراهيم، تساءلت: "ما الذي يدعوها لتقبل هذا الوضع؟" تخرج مع عمر، وكأنها لم تخرج، لم تشعر بالسعادة، بل لم تشعر سوى بالألم والأسى، تتحدث معه، يأتي لزيارتها، تزوره بصحبة أمها، إلى أين تسير الأحداث، لعلها تتوقف عن المضي طالما تخطىء السير.. ماذا سيتغير بعد زواجها؟ سيبقى الوضع كما هو عليه.. زيارات متبادلة ما بين خالتها وأمها ثم عودة واستقرار في بيتها بصحبة حبيبها عمر.. لم يكن حبيبها، لنقل رفيقها.. لم يكن رفيقها، لنقل صاحبها.. حقيقة هو لم يصاحبها؛ هو المقيم معها بعقد مدته مدى الحياة ما لم يجد جديد، لكن ما الجديد؟ وإن جد جديد فلن تختلف الأوضاع كثيراً، ستبقى وحيدة منبوذة في مجتمع لم يسمح لها بأن تختار شكل حياتها، ولن يدعها تحيا إن قررت التمرد في لحظة شيطانية.. تستقبل مكالمة من عمر، يطمئن عليها، تتحدث معه ببرود، لم تطمئن عليه، بل لم تجد أصلاً موضوعاً مناسباً للحديث معه، كلمات تتساقط كقطرات المياه الزائدة في صنبور به علة.. حتى كلمات الغزل، ولمسات الحب لم تشفع له، ولم تغير من الوضع الباهت الذي كانت عليه كعصر يوم عاصف تعلو شمسه سماء تسدل ستائرها الصفراء جراء ما يملأها من أتربة معلقة بلا خيوط، فقط يحملها هواء يسعى لأن يكدر صفو من خرج لتنسمه، يدعوه للعودة لداره؛ تستأذنه لتذهب للنوم.. يأذن لها، ويودعها؛ يذهب لمشاهدة التليفزيون، تضع رأسها على وسادتها، لم تستطع النوم، راحت تأتيها الأفكار المتتابعة إلى أن راحت في سباتها بعد طول السهر، وصحبتها أفكارها في سباتها...

                  ………………………………

     ذهب إبراهيم بصحبة هاني لزيارة صديقهم تامر، ثم جاءت بقية الشلة، حيث أتى حسين ورامي، بدا على إبراهيم بعض الحزن، فبدأ أصدقائه في الحديث عن بعض الذكريات القديمة بغية أن ينسى همومة قليلاً، وأخذوا يداعبونه، ابتسم قليلاً، لكنه لم ينس أحزانه، بل إنه بحديثهم عن الماضي تذكر من الذكريات ما زاده ألماً؛ انتقلوا للحديث عن المقهى التي كان يعمل بها إبراهيم وهاني، حكى هانى ما حدث في اليوم الأخير من عملهما في المقهى، وكيف أن الوضع تطور كثيراً، وتم تكسير المقهى.. تعجب تامر، وأخذ يتحدث عن أن هاني السبب، "نحس" هكذا تحدث رامي ليداعبه، وما كان من حسين إلا أن تحدث بشكل جدي عن أن ما حدث كان الأفضل، فنظر إليه إبراهيم منزعجاً، وقال: "ما أفضلية أن يتم تكسير المقهى؟ وما الأفضلية في أن نترك العمل بهذا الشكل؟ عقب حسين بهدوء: "لعل عملكما في مكان آخر سيكون أفضل، ثم إن هذا العمل لا يليق بكما، ستجدان ما هو أفضل" غضب إبراهيم، لقد شعر بأن حسين يتحدث ببرود، ثم إنه لديه عمله، ويده في مياه باردة، أما إبراهيم وصديقه فإن يداهما في نار موقدة لا تنطفىء، تدخل تامر معاتباً حسين، ثم تحدث عن وجهة نظر حسين الذي يرى أنهما يجب أن يعملا في مكان أفضل، فتحدث رامي ليؤكد ذلك محركاً رأسه بالموافقة.. ثم عرض حسين عليهما أن يعملا معه، فأيده تامر، كما وافقه الرأي رامي، ليذهبا للعمل سوياً، فرامي وحسين وتامر يعملون مع الأستاذ رمزي، حيث يزج بهم في أية مشاهد تتطلب غياب أحد الممثلين المهمين.. "دوبلير؟" هكذا تحدث إبراهيم متسائلاً.. رد تامر: تقريبا.. وبعد الشرح والتوضيح، أعلن هاني رفضه لهذا العمل.. لكن إبراهيم قرر خوض المغامرة، بالفعل هي مغامرة، لم يكن ليفكر في خطوة كتلك بالأمس، لكنه اليوم يُقدم عليها، ويصم أذنيه عن كلمات هاني التحذيرية، بل يقرر الذهاب مع تامر ورامي وحسين لمقابلة الأستاذ رمزي.

                  ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة

الأحد، 22 يناير 2012

الدوبلير (8)



-8-


     تحدثت سعاد مع سلمى مساء الثلاثاء..  ستأتي سامية وأسرتها لزيارتهم مساء الخميس، لم يتبق سوى يومان.. على سلمى أن تقرر، إما بالموافقة ووقتها ستقام الأفراح، سيفرح الجميع، كما أنها ستكون محظوظة لأنها ستتزوح  شاباً رائعاً، بالطبع سيحاول بشتى الطرق أن يوفر لها سبل السعادة.. يمكنها أن ترفض؛ وقتها ستتدهور العلاقات مع خالتها سامية، كما أنها ستخسر هذه الفرصة، ستظل تدور في دائرة لا تنتهي.. الوقت يمر عبثاً؛ قد تتورط يوماً ما في الزواج من شاب آخر غير معروف لأسرتها، وإن حدثت أي مشكلة فلن تستطيع وقتها أن تحصل منه لا على حق ولا باطل.. عليها أن تفكر جيداً.. ذهبت سعاد بعد هذه الجلسة التي اعتبرتها بمثابة جلسة النصح الأخيرة، جلسة تتشابه كثيراً مع مراجعة ليلة الامتحان بالنسبة للطلاب، فقد لخصت سعاد لها الموضوع، ثم تركتها لتفكر بمفردها.. جلست سلمى على سريرها في غرفتها المطفئة الأنوار، نظرت في الظلام، سرحت لبعض الوقت.. ماذا عساها أن تفعل؟ الوقت يمر حقاً، والعمر يضيع، ثم تذكرت نصائح صديقتها هبة التي حثتها على البحث عن مصلحتها، فالجواز أهم بكثير من الحب، إنه "مشروع مستقبل" على حد زعمها.. تعرف سلمى جيداً أن إبراهيم شخصاً نادراً، قد لا تستطيع أن تجد مثله.. لكنها تعرف أيضاً أن كفة عمر هي الأرجح، لا شك أنه على أتم الاستعداد للزواج اليوم قبل غداً.. تسحب كمية من الهواء بشدة، ثم تكتم أنفاسها وتغمض عينيها، ثم تفتح فمها ليندفع الهواء، فكأنها قد أخرجت مشاعرها الداخلية في صورة الهواء المنطلق من فمها.. شعرت بالهدوء قليلاً، قد يكون الاستسلام لواقع لا مفر منه، وقبل أن تعود لتفكر مرة أخرى، قررت أن تقف عند هذا الحد من التفكير.. تتذكر إبراهم مرة أخرى؛ لعله بخير.. هذا ما تمنته في تلك اللحظة.

                   ………………………………

     قبل مباراة الأهلي والمصري الهامة، استعد هاني وإبراهيم لاستقبال الزبائن.. في نفس الوقت كانت هناك مباراة أخرى تجمع بين فريقي الزمالك والجيش.. طالب بعض الحضور بمباراة الزمالك، وبالطبع كان الرد قاسياً من جمهور الأهلي الذي يرى أنه من البديهي أن تذاع مباراة الأهلي.. كان إبراهيم يريد أن يشاهد مباراة الزمالك، كما أن هاني كان يريد مشاهدة أحد الأفلام على قناة Channel 2..  عندما اختار إبراهيم مباراة الزمالك تعالت الأصوات المطالبة بمباراة الأهلى، وعندما عادت مباراة الأهلي تعالت الصيحات وسط تصفيق من مشجعي الأهلي، وسخط من جمهور الزمالك.. شعر هاني بالضيق، وقرر أن يختار الفيلم الذي كان ينتظره، وهنا صاح الجميع، وتطور الأمر بكلمة من هذا، ورد من ذاك، مع بعض السباب، وتدخل إبراهيم، ثم تحدث هاني، فكانت معركة قوية، تم تكسير المقهى خلالها.. وجاء بعدها الحاج يسري (خال إبراهيم) ونظر للمشهد في أسى.. بعد تلك الحادثة كان على هاني أن ينسحب من العمل في المقهى، كذلك انسحب إبراهيم بعد شعوره بأنه قد شارك في جلب الخسارة لخاله يسري الذي طالبه بالاستمرار في العمل، ولكن إبراهيم رفض ذلك العرض.. يعود إبراهيم مرة أخرى إلى نقطة البداية باحثاً عن عمل مناسب..تتحدث سوسن (والدته) معه لكي تزيل عنه بعض آلامه الكامنة داخله، كما تحاول أن تدعوه للتفاؤل، فالدنيا قد تدير ظهرها للمرء مراراً وتكراراً، لكنها لا شك يوماً ما ستبتسم له عندما يواجهها بتحدي وثقة في مستقبل بالطبع سيكون أفضل.. بكل أسى رد إبراهيم على كل هذه المهدئات والمسكنات التي شعر بأنها لن تجدي معه في تلك اللحظة، شعر بأنه الوحيد الذي تقف الدنيا في وجهه ليظل جالساً في مكانه، في حين أنها تفتح أبوابها على مصراعيها لغيره.. تساءل: لماذا يحدث كل هذا؟ إن كانت تنوي الابتسام؛ فمتى ستبتسم؟

                   ………………………………

     بعد محاولات عديدة من إبراهيم للوصول إلى سلمى؛ أخيراً قررت أن ترد على اتصاله.. ماذا حدث لكي ترفض أن ترد عليه؟ لقد زادته ألماً بعد أن شعر بأنها لن تتخلى عنه يوماً، يبدو أن الأمر قد اختلف، فالحلم الذي تتطاير فيه فقاعات الأمل والسعادة والفرح قد انتهى، وحان الوقت لكي يستيقظ من سباته العميق الذي لا مفر منه، فمهما طال الليل، ومهما بعد النهار، ومهما أثقله النوم في أحلام رائعة، فلا فائدة من كل هذا، عليه أن يستيقظ من نومه، ثم يخرج ليواجه الواقع، ويستقبل الحقيقة التي تؤكد أن السعادة التي ملأت أحلامه كانت سراباً.. مجموعة من الأوهام تطايرت في الهواء؛ هكذا شعر إبراهيم عند سماعه لصوت سلمى المرتعش، كانت تبدو مرتبكة، تحدثت في موضوعات متعددة.. كيف حاله؟ ثم لماذا ترك عمله؟ ولماذا لم يعمل من قبل مع عمه؟ ذكرها برغبة عمه سعيد في أن يزوجه من ابنته.. لماذا لم توافق؟ هكذا تحدثت سلمى.. انتقلت سلمى لتتحدث عن قصص الحب التي قد تفشل، لكن كل قصة حب لا شك أنها تمتلىء باللحظات والذكريات السعيدة التي تخلد في الدفاتر التي تحفظ في خزائن مدينة الحب التي يمر عليها العديد من البشر على مر التاريخ؛ في النهاية قد لا تكتمل القصة، لكنها قد تتوقف بلا خطأ من الطرفين، بل لظروف الواقع الذي يحيط بكلا الطرفين.. لم يتحدث إبراهيم كثيراً بعدما لمس مشاعر سلمى التي تغيرت فجأة – كما اعتقد إبراهيم - وبشكل غريب، لكن مشاعر سلمى كانت قد تغيرت بعد فترة عصيبة قضتها في التفكير.. قررت سلمى أن تبتعد، وأن تفكر جيداً بشأن هذا الموضوع.. كلمات ليست كالكلمات التي لطالما ألقتها سلمى على مسامعه.. انتهى الاتصال، واقترب الانفصال، وشعر إبراهيم بأن ما مضى كان أوهام، ولا فائدة من الانتظار...

                   ………………………………

     وصلت سامية وأسرتها مساء الخميس.. مر الوقت سريعاً ما بين حديث تصحبه بعض الضحكات، مروراً ببعض الهمسات، إلى الحديث عن طلب عمر الزواج من سلمى.. بالطبع أبدى الجميع موافقته بما فيهم سلمى.. بدا كأن الموافقة لا مفر منها، أو أن الموافقة أمر محسوم.. أثناء تناول الشراب الذي قدمته سلمى انتقل الحديث باتجاه فكرة أتت من سامية التي رغبت في التعجيل بالزواج خلال الستة أشهر القادمة.. لم يجد ذلك المقترح أية معارضة سوى بعض الكلمات – على استحياء - من سلمى، لكن كلماتها لم يُنظر إليها، فسعاد كانت قد تحدثت معها مراراً وتكراراً إلى أن حصلت منها على الموافقة المطلوبة.. صلة القرابة بينها والمعرفة المسبقة منذ الصغر لم تضع في الحسبان أن يتعارفا جيداً، وأن يتفقاً سوياً على المرحلة المقبلة.. شعرت سلمى في تلك اللحظة بأنها قد أخطأت، أو تسرعت، أو أن الأحداث تمضي أسرع مما تخيلت؛ شعرت بأن الستة أشهر ستمضي أسرع مما مضت تلك الليلة، لم تشأ أن تنظر إلى عمر، فكانت تتجنب النظر إليه، لم تشعر بالسعادة في تلك الليلة.. كان عمر ينظر إليها جيداً، يشعر بالسعادة، شعر بأنها تحاول إخفاء فرحتها، قد يكون حياءاً.. الأجواء العائلية ستتخذ شكلاً آخر في الفترة القادمة، فستتسع صلة القرابة بينهما، عزم على أن يقرب المسافات بينه وبين سلمى، ستكون الجلسات القادمة أكثر ألفة.. اتفق الجميع على التفاصيل.. وبعد أن غادر الزائرون، غادرت سلمى إلى حجرتها، في حين جلس والداها يتحدثان بسعادة عن مستقبلها.. كانت سلمى في نفس اللحظات تبكي في حجرتها، شعرت بأنها اتخذت قراراً مصيرياً.. الوقت مر سريعاً، ولم تكن تعلم جيداً أن خيارها لن يفرحها.. ها هو إبراهيم قد ذهب بلا عودة، لن تستطيع أن تتحدث معه مرة أخرى، كما أنها لن تشعر بالسعادة مع عمر.. أخذت تسبح في أفكارها طوال ليلتها وسط موجات الظلام، لكنها لم تصل إلى بر.. وأخيراً ذهبت في نوم عميق وهي غارقة في دموعها.. رأت إبراهيم ينظر إليها ويبتسم وهي تقف وسط الورود والأزهار في أحد الحدائق، إنه على مسافة بعيدة، لكنه يراها، وهي تراه.. يأتي عمر ليضع يده اليمنى على كتفها الأيمن، تختفي الأزهار والورود وإبراهيم، ويبدو مشهد عادي على أحد الأرصفة وتمر السيارات بشكل مستمر وسط الدخان والأصوات المزعجة...

                  ………………………………
                                   إلى اللقاء في الحلقة القادمة






الخميس، 17 نوفمبر 2011

الدوبلير (7)


-7-

     يأتي الحاج يسري (خال إبراهيم) لزيارة شقيقته سوسن.. تتحدث معه سوسن عن الأوضاع المعيشية الصعبة، عن إبراهيم وسعيه الدائم للحصول على عمل مناسب.. يأتي إبراهيم في نفس الوقت من الخارج، كان قد ذهب لزيارة بعض أصدقائه.. يرحب بخاله يسري، ثم يجلس ليتحدث معه.. كان الخال يسري لطالما يأتي لزيارتهم، لكنه انقطع قليلاً في الفترة الماضية نظراً لانشغاله بعمله.

    عندما ولد إبراهيم كان الحاج يسري لا يزال يدرس في المرحلة الثانوية، كانت فرحته كبيرة بإبراهيم، كان يتردد كثيراً على بيت سوسن لكي يرى إبراهيم ويلعب معه، يعطيه بعض الحلوي أحياناً،  كان يجلس معه ليشاهد مباريات الزمالك بصحبة والده (يوسف) أيضاً.. لا تستطيع سوسن أن تنسى ما كان يفعله يسري معها ومع أسرتها، كانت عندما تمر بأي ضائقة مالية؛ دائماً ما كانت تجده بجوارها، وإن لم يكن معه ما يكفي فقد كان يقترض لأجل أن تمر هذه الضائقة بسلام.. كان الحديث مع الخال يسري دائماً ما يحمل الكثير من المزاح.

     ظل يسري طوال الحديث يقدم اعتذاره عن الانشغال في عمله، وعدم قدرته على زيارتهم كثيراً.. كان لديه مقهى لا يبتعد كثيراً عن الشارع الذي تقيم به سوسن.. تحدث عن بعض المشكلات التي تواجهه في عمله، فالذين يعملون معه بالمقهي يثيرون العديد من المشاكل.. ابنه ياسر أًصبح الآن أكثر انشغالاً نظراً لكثرة الدروس، فهو بالثانوية العامة هذا العام.. تحدث معه إبراهيم عن الفترة الماضية، ورحلته في البحث عن عمل مناسب.. عرض الحاج يسري على إبراهيم أن يعمل معه بالمقهى لبعض الوقت؛ سيكون راتبه معقولاًً، ليعمل معه إلى أن يجد عملاً مناسباً، وفي نفس الوقت سوف يستفيد في الحياة العملية، ويرى الدنيا بشكل جديد من خلال تعاملاته اليومية مع رواد المقهى.. سرح إبراهيم قليلاً، إنه يفكر في سلمى، كيف سيكون رد فعلها إذا حدثها بأنه سيعمل في مقهى..؟! لكنه تذكر سريعاً أنَّ عليه أن يعمل أياً كان هذا العمل لطالما سيحصل على أجر مناسب يساعده في هذه المرحلة.. يفيق إبراهيم على كلمات خاله: ولو تعرف واحد كويس من أصحابك يشتغل معاك... تذكر في هذه اللحظة صديقه هاني.

                    ………………………………

     ذهب إبراهيم في المساء إلى صديقه هاني، جلسا بحجرة هاني.. تحدثا عن الفترة الماضية.. تحدث هاني عما فعله مع عمه (ربيع)، فقد أخذ يتأخر عن موعده في بعض الأيام، وفي وقت آخر يغيب بسبب شعوره ببعض الإرهاق، بالطبع كان يتصل به الحاج ربيع ويوبخه، وقد يتطور الأمر لبعض الألفاظ البذيئة.. الآن يعتقد هاني أن عمه على وشك طرده من العمل.. يتدخل إبراهيم: مصلحة.. ثم يبدأ إبراهيم في الحديث عن زيارة خاله يسري لهم اليوم، حكي له عن اقتراح الخال (يسري) بأن يعمل معه لفترة في المقهى، وهو بحاجة أيضاً لشخص آخر.. حبذا لو يأتي هاني للعمل معه!؟ هكذا اقترح إبراهيم على صديقه هاني بأن يأتي ليعمل معه لفترة.. صمت هاني قليلاً حيث تذكر الفترة التي قضاها مع عمه، وهو لا يزال يعمل معه إلى الآن.. استطرد إبراهيم حديثه موضحاً أن خاله (يسري) يختلف كثيراً عن العم (ربيع)، فهو لا يفكر كثيراً في المال؛ نعم يربح الكثير، لكنه أيضاً يصرف الكثير.. تحدث إبراهيم عن ذكرياته مع الخال (يسري)، والعديد من المواقف التي وقف فيها إلى جوار أسرته، لم يبخل بمال عليهم، وإن وصل الأمر لأن يقترض من أجل مساعدتهم.. ضحك هاني بعدما استمع لهذه المواقف وتحدث: بالضبط زي عمي ربيع.. فلطالما كان يتهرب الحاج ربيع من أي مساعده لأسرة هاني، أو حتى لغيرهم.. إن كان الوضع كذلك فأهلاً بالعمل مع الحاج يسري، أياً كان هذا العمل، فالعمل شرف، ونحن بحاجة للعمل.. هكذا تحدث هاني قبل أن يرد إبراهيم: والحاج ربيع..!؟ ابتسم هاني ثم تحدث: مع نفسه.. إبراهيم: إيه..؟ ده عمك بردو.. هاني: خلاص، يبقى مع حضرته...

                    ………………………………

     جلست سعاد مع شقيقتها سامية بالإضافة إلى سلمى التي جلست على استحياء وهي تخشى أن تتحول الجلسة إلى  الحديث عن عمر، وهو ما يعني الحديث عن زواجها، وقد يكون ذلك الأمر قريباً، ولم لا..؟ فالعريس لا ينقصه شيئاً، فقد تسير الأمور بشكل أسرع.. تذكرت إبراهيم وكأنه يقف أمامها، بل يجلس معهما؛ إنه يجلس بجوار سامية.. استمرت سامية في الحديث الذي لا يتوقف، أحياناً تتحدث عن الحكومة التي أفسدت البلاد، ثم تعود وتتحدث عن الاستقرار الذي تنعم به البلاد في ظل الحكومة الرشيدة التي لديها رؤية جيدة سواء في إدارة البلاد أو في مواجهة خصومها مهما بلغت قوتهم أو تأثيرهم في الشارع، انتقلت بعدها لتتحدث عن طرق إعداد الطعام، وما تعلمته مؤخراً من بعض البرامج التي تتابعها عبر التليفزيون، وأخذت سعاد توضح لها أنها قد سمعت عن ذلك، لكن بشكل مختلف قليلاً، انتقلت بعدها سامية لتتحدث عن زوجها وانشغاله في الفترة الأخيرة، ثم جاء الدور على عمر الذي كان يجلس أمام التليفزيون مع والده بالإضافة إلى والد سلمى.. كانت هذه اللحظة التي انتظرتها سلمى منذ أن جلست مع خالتها، لكنها كانت تتمنى ألا تتطرق سامية إلى هذه النقطة تحديداً.. بالطبع انتقلت سامية من الحديث عن عمر إلى الحديث عن عمله مروراً بمدحه بعض الوقت، ثم انتهت بالحديث عن حاجته لزوجه رائعة، ونظرت إلى سلمى كأنها تقول: إنها سلمى.. نظرت سلمى إلى السقف قليلاً، شعرت بأن إبراهيم الذي يجلس بجوار سامية قد أشار إليها بيده ألا توافق.. أصبحت أكثر تردداً.. بالأمس كانت تقول: ولم لا..!؟ اليوم شعرت أنها لا تستطيع، ولم توافق..!؟ ابتسمت سعاد وكأنها توافق على زواج سلمى من عمر، ثم بدأت في مدحه قليلاً، فهو شاب مجتهد لا يتوفر كثيراً  في هذه الأيام.. أوضحت سامية رغبتها في أن يتزوج عمر من سلمى.. شعرت سلمى ببعض الألم، لكنها أبدت بعض التماسك.. بالطبع رحبت سعاد بهذا الزواج.. قررت سامية أن تأتي في الأسبوع المقبل مع عمر وعبد الفتاح لزيارتهم مرة أخرى، مع إعطاء الفرصة لسلمى حتى تفكر في هذا الأمر.. أبدت سامية ابتسامة وكأنها تعرف بأن سلمى ستوافق.

                      ………………………………

     يأتي تامر وحسين ورامي لزيارة إبراهيم وهاني أثناء عملهما في المقهى ليلاً.. يجلس تامر ليشاهد التلفزيون بجوار حسين ورامي، أتي إبراهيم ليجلس معهما قليلاً.. لقد قرروا زيارة إبراهيم بعد أن ابتعد لفترة، فجاءوا لرؤيته والجلوس معه.. كان هاني لا يزال يتابع بعض الزبائن، ثم جاء ليجلس مع أصدقائه وترك عماد وسيد يتابعان الزبائن.. تذكر الجميع أيام الدراسة، وبعض الذكريات.. لقد باعدت الحياة بينهما، كانوا دائماً ما يجلسون معاً طوال الأسبوع، لا يفترقون سوى بالعطلات، وقد يلتقون بالعطلات أيضاً.. تحدث تامر عن العمل الجديد الذي يعمل به بصحبة حسين ورامي، إنهم يحصلون على أجر جيد، إنه عمل رائع إذا أردتم العمل معنا. 

      رغم أن العمل في المقهى قد يكون مرهقاً بعض الشيء، لكن الراتب جيد إلى حد ما، فهو ضعف ما كانا يحصلان عليه مع العم ربيع، فالعمل في المقهى مع الحاج يسري يعد أفضل بكثير، كذلك فالحاج يسري يقدرهما جيداً، وكأنه والدهما.. هذه الأسباب جعلت إبراهيم يتمسك بالعمل في المقهى في هذا الوقت تحديداً، وهو ما أكده هاني أيضاً.. استمر الأصدقاء معاً في المقهى يتحدثون، ويشاهدون التليفزيون، والبعض (تامر وحسين ورامي) يدخن الشيشة.. كانت سهرة رائعة جعلتهم يتذكرون أيام الكلية، وأكد الجميع على أهمية تكرار هذه السهرة الرائعة في القريب العاجل.

                  ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة

السبت، 29 أكتوبر 2011

الدوبلير (6)


-6-

      أمضى إبراهيم شهره الثاني في العمل بنفس المطعم، وجد أن الأمور المالية لن ترتفع عن هذا الحد.. ماذا عساه أن يفعل..؟! الوقت يمر، سلمى تبتعد بهذا الشكل.. حاول هاني أن يداعبه في بعض الأوقات بأن يمزح معه عندما يجده مهموماً.. كان إبراهيم يفكر كثيراً طوال هذا الشهر.. استمر إبراهيم في العمل شهراً آخر.. كانت أيضاً كلمات الحاج ربيع تشير إلى أن هذا الشهر سيشهد تطوراً مادياً لإبراهيم وهاني.. انتهى الشهر الثالث بالمطعم، لكن الراتب لم يزد، ظل كما هو.. لم يستمع إبراهيم وهاني هذه المرة للوعود التي رددها الحاج ربيع.. لم يكن بوسعهما الاستمرار شهراً آخر من أجل زيادة علما أنها مجرد وعوداً لن تحدث.. تحدث إبراهيم: عمك ده راجل..... ولا بلاش.. هاني: لأ قول براحتك، أنا اتصدمت فيه، أنا بقول طول عمري جدي مخلفش بعد أبويا.. إبراهيم: المهم أنا مش رايح بكرة.. هاني: ولا أنا، بس مش المفروض كنا نقوله من النهاردة عشان يعمل حسابه.. إبراهيم: يعني هو ليه مقالش بردو إن آخرنا معاه 300 عشان نعمل حسابنا بردو..؟ هاني: خلاص، أنا هروح بكرة، وأقوله انت تعبان، ومش هتقدر تيجي الأسبوع ده.. إبراهيم: يبقى دبست نفسك يا حلو.. هاني: لا يا باشا، أنا هروح متأخر، وأغيب يومين، لغاية ما يزهق ، ويرفدني.. إبراهيم: عموماً لو رفدك انت الكسبان.. ويقرر الصديقان تنفيذ هذه الخطة.. كان أيضاً الحاج ربيع قد استفزهما بقوله: على فكرة أنا كنت بشغل واحد بس يمسك حسابات المطعم، كان واد جن، وكان بياخد 500 جنية، يعني لو اتنين المفروض الواحد يبقى 250، بس عشان انتو مش زي أي حد أنا قلت الواحد 300.. تمالك كلاهما أعصابه، وأمسكا لسانهما عن بعض الألفاظ التي عادة ما يستخدمها المرء في بعض المواقف المستفزة...

                    ………………………………

     جلست سعاد مع سلمى في حجرتها ليلاً.. تحدثا في الموضوع تلو الآخر.. وصلا إلى الحديث عن سامية خالتها.. بالطبع سيكون أحد أجزاء الحديث هو عمر.. ستأتي سامية الأسبوع المقبل لتناول الغداء والحديث سوياً.. سيأتي عمر، والحاج عبد الفتاح أيضاً.. تعرف سعاد جيداً أن هذه الزيارة تحمل في طياتها بعض الموضوعات الأخرى.. سامية التي لطالما كانت تلقي ببعض الكلمات عند الحديث عن سلمى: عايزين نفرح بسلمى.. عايزين نجوز عمر.. شوفتي الصورة دي (صورة تجمع عمر مع سلمى بالإضافة إلى مجموعة من الأقارب) لايقين على بعض.. كانت سعاد تبتسم، لم تعط سعاد أية إجابات على هذه التلميحات الواضحة.. سلمى أيضاً كانت تتهرب من الحديث بشأن هذا الموضوع.. كانت تعرف أنها يوما ما ستكون في جلسة مثل هذه مع والدتها.. لا مجال لكي تهرب من الحديث بهذا الشأن.. الوقت قد مر، الزيارة قادمة.. سلمى أخذت تشكر في عمر، كانت في نفس الوقت تبحث عن مخرج لها.. لم تجد به عيوباً واضحة.. تحدثت عن انشغاله بالعمل، فهو يكرث معظم وقته للعمل.. كانت الإجابة بأن هذا في فترة ما قبل الزواج، بالطبع سيختلف الوضع بعد الزواج.. تحدثت سلمى عن أنها تعتبره أخاً لها ليس أكثر.. وما المشكلة، إن من مميزاته أنكِ تعرفينه جيداً.. منذ صغره وهو يأتي إلينا كثيراً مع سامية.. إذن وبعد أن ذكرت سلمى السبب تلو الآخر معبرة عن رفضها لهذه الزيجة، لم تجد سلمى أمامها إلا أن تصرح بأنها لا تشعر بأنها تحبه.. وماذا يعني ذلك؟ لم أكن أحب والدك، لكننا تزوجنا.. ليست هذه بمشكلة.. الحب يأتي بعد الزواج.. ارتفع صوت سلمى قليلاً: مين اللي قال كدا؟ ردت سعاد بهدوء: هيا دي الحقيقة.. ده الواقع.. لطالما كانت حكايات الحب في الأفلام هي لمجرد المشاهدة، أو لقضاء وقت رائع أمامها فقط.. إنما الواقع يختلف عن ذلك كثيراً.. سرحت سلمى قليلاً.. أخذت تفكر في هذه الكلمات.. تذكرت إبراهيم...

                  ………………………………

     تحدث هاني مع والده قليلاً، حيث جلسا ليشاهدا التليفزيون بعد تناول الغداء، وأخذا يشربان الشاي.. كانا أمامهما فيلم (ابن حميدو).. "صلاة النبي أحسن" هكذا تحدث توفيق الدقن بعد أن أكل إسماعيل يس قطعة الحشيش.. كانا يضحكان قليلاً.. تحدث مجدي والد هاني: يعني عمك بردو مش عايز يزود مرتبك.. هاني: ما انت عارف يا بابا؛ عمي ربيع في مواضيع الفلوس ما بيعرفش حد.. يرد مجدي: هو لسه فيه العادة الزفت دي.. ويستمر الحديث عن الحاج ربيع قليلاً.. ينصحه مجدي بأن يستمر قليلاً في هذا العمل إلى أن يجد بديلاً مناسباً.. يختلف هاني معه في الرأي.. إنه يبذل قصارى جهده مع الحاج ربيع، لكنه لا يجد التقدير.. تدخل الأم ( نادية)، وبعد أن تجلس: أنا قلتلك عمك ربيع ده جلده.. يرد مجدي: الراجل بيعلمه، خليه يعرف قيمة القرش، مفيش حاجة بتيجي بالساهل كده.. هاني: أنا عارف الكلام ده كله.. نادية: بيعرَّفو إيه؟ وقيمة قرش أيه..؟! هو ده طبعه، انت مش فاكر لما كنا محتاجين 1000 جنية ضرورى، وذلنا، وفي الآخر مطلعناش منه غير ب 500 جنية.. فاكر لما كنت بعمل العملية من سنتين، كان عارف إننا محتاجين مصاريف، وعمل نفسه مش واخد باله، بعدها لما عرف إنك محتاج 3000 جنية، قعد يقولك على المشاكل اللي عنده، وبعدين طَلَّع 250 جنية من جيبه، وبعدها بأسبوع غير العربية بتاعته.. واستمر الحديث بينهما عن الحاج ربيع.. تذكر نادية بعض المواقف.. يقابلها مجدي ببعض التبريرات.. ويتدخل هاني بينهما ببعض الجمل مع مشاهدته للفيلم...

                    ………………………………

     جلس إبراهيم على سريره أثناء تحدثه في هاتفه.. كان يتحدث مع سلمى.. تحدث معها عن أسباب تركه لعمله.. كان لديه بعض الضيق الذي لم تخلُ منه سلمى أيضاً.. أعرب عن سعيه للبحث عن عمل مناسب يستطيع أن يستمر به لفترة.. أخذت سلمى تتحدث عن الصعوبات التي تواجههما، كما أنها تتعرض لبعض الضغوط من والدتها بشأن الزواج من عمر.. كان إبراهيم يشعر بالألم لعدم قدرته على التقدم لسلمى في الوقت الحالي، كما أنها قد تضيع منه.. كانت سلمى تستمع لبعض الأغاني من خلال جهاز الكمبيوتر الذي كان بجوارها.. مرت عدة أغاني والحديث مع إبراهيم لا يزال مستمراً.. بدأت أغنية أخرى:

فِل ومش حرزانه تبكي..  خبريتنا صارت ذكرى 
لا ع مبارح فينا نحكي..  ولا فينا نحكي عن بكره 

صدقني مش ممكن حبك.. ما عم بقدر فكر فيك 

ما بدي عذبلك قلبك.. دمع وأحزان بيكفيك
    
     سألها إبراهيم: إيه الأغنية دي..؟ ردت سلمى: إليسا.. صمتت بعدها قليلاً.. كان إبراهيم يتحدث عن أمنياته بأن تكون الأيام المقبلة أفضل.. تذكر رحلتهما مع بعض الأصدقاء إلى الأهرامات في يوم رائع قضياه معاً.. كان ينظر إبراهيم إلى الهرم الأصغر وهما يجلسان أسفل خفرع: أجدادنا دول كانوا عباقرة، كل مرة بكون موجود هنا بحس قد أيه كانوا عظماء.. كانت سلمى تسرح قليلاً، ثم تتحدث عن موضوع آخر.. لم تكن سلمى تهتم كثيراً بذلك، لكن إبراهيم كان يحب قراءة التاريخ، وزيارة الأماكن التاريخية.. عندما ذهبا في رحلة الأقصر وأسوان كان إبراهيم منهمكاً في الحركة والبحث عن الأماكن التاريخية، في حين كانت سلمى: طب نستريح شوية، الناس دول كانوا فاضيين على فكرة، ههههههه...
     كانت سلمى تستمع لكلمات الأغنية:

وحياتك عندي حبيب.. علمني اعشق بجنون 
هالدنيا قسمة ونصيب.. ما بنقدر مع بعض نكون

     يتحدث إبراهيم: انتي رحتي فين يا بنت.. سلمى: معاك، بس كنت بفتكر أيام الأقصر وأسوان، كانت أيام جميلة.. ثم تبتسم قليلاً قبل أن تفاجئها إليسا:

إنشالله راح بتلاقي الحب اللي بتتمنى يبقى حدك 

إنشالله راح بتلاقي الحب اللي بتتمنى يبقى حدك 

وتنسى شو تعذب هالقلب..  بيكفي تتذكر شو بدك

                  ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الدوبلير (5)


-5-

     جلس إبراهيم بصحبة هاني – الذي جلس أمامه - مع الحاج ربيع الذي كان وقتها على مكتبه الخاص في المطعم بعد انتهاء يوم العمل المتمم لأول شهر لهما في هذا المطعم.. بدأت الجلسة ببعض المزاح مع الحاج ربيع، أمسك هاني بأحد المجلات التي كانت أمام الحاج ربيع، ثم تحدث ضاحكاً: شوفت صورة عادل كرم (فنان مشهور) مع مراته.. نظر إبراهيم: فعلا صورة حلوة.. رد هاني: تصدق أول مرة أشوف صورتها، كنت فاكره متجوز موزة زي اللي بيطلعو في الأفلام معاه.. إبراهيم: بالعكس، هي جميلة فعلاً، بس جمال هادي.. هاني: هادي إزاي..؟! يرد الحاج ربيع: هادي خشبة، ههههههه.. يضحك إبراهيم: يعني جميلة جمال مختلف، جمال ميشوفوش غير الفنانين اللي زي عادل كرم.. هاني: يمكن، بس أنا بالنسبة ليا الجمال ليه شكل تاني، يعني مثلاً (يشير بسبابته على أحد الصور التي تعلو غلاف المجلة) شايف الفنانة الجميلة دي.. إبراهيم: سوزي محسن، يا ابن اللعيبة.. الحاج ربيع: دي البنت اللي كانت في المسلسل بتاع رمضان اللي فات، كان جوزها ميت وبعدين صحي في آخر المسلسل.. ثم يضحك الجميع بهذه الكلمات.. وبعد الاستمرار في المزاح تنتقل دفة الحديث إلى الشهر الأول الذي يجب أن يحصلا على أجره.. أجل الحاج الحديث عن الراتب إلى اليوم التالي نظراً لبعض الحسابات والمراجعات اللازمة.. توقع إبراهيم في هذه اللحظات أن يكون هناك بعض الإضافات على الراتب الذي تم الاتفاق عليه خلال هذا الشهر، وهو ما أكده له هاني وهما في الطريق إلى المنزل.. وفي اليوم التالي كانت الجلسة مشابهة لجلسة اليوم السابق.. حصل كل منهما على 300 جنية كما تم الاتفاق عليه مسبقاً.. لم تكن هناك أية إضافات حقيقة.. كانت هناك بعض كلمات الثناء على الآداء الجيد في العمل، وعلى تحسن وضع المطعم في ظل وجودهما به.. مع وعد بزيادة راتبهما في الشهر القادم.

                  ………………………………

     كانت سلمى قد قررت الخروج مع صديقتها هبة لتناول الغداء بأحد المطاعم، والخروج سوياً.. تحدثا أثناء تناول الطعام.. تنتظر سلمى أن تلتحق بأحد الشركات للعمل.. كانت هبة لا تفكر في العمل في الفترة القادمة، فلديها ما هو أهم بالنسبة لها.. إنها تفكر حالياً في ثلاثة مشروعات هامة.. المشروع الأول هو الزواج من ابن عمها أيمن الذي تقدم لخطبتها مع مباركة وتأييد من والدها: ده ولد محترم وابن حلال، وجاهز.. المشروع الثاني هو الزواج من ابن خالتها علاء الذي يحظى بتأييد والدتها.. المشروع الثالث هو الزواج من ياسر الذي يسكن معهم في نفس العمارة، وهو الذي كان يحظى بتأييدها في وقت سابق، لكنها الآن تفكر بجدية في الثلاثة مشروعات.. تحدثت معها سلمى: طب ليه متوافقيش على ياسر..؟! انتي تعرفيه من زمان، وبعدين انتي مش كنتي بتحبيه زمان..! صمتت هبة ثم تحدثت بابتسامه: حب ايه اللي انت جاي تقول عليه، يا بنتي ما أنا قولتلك قبل كده الحب ده كان أيام عبد الحليم حافظ وأنور وجدي، دلوقتي لازم تشوفي مصلحتك، الحب ليه وقته، بس الجواز ده موضوع أهم، ده مشروع المستقبل، بس أيمن هو أكتر واحد مستريح فيهم.. فكرت سلمى قليلاً في كلماتها، ثم تحدثت: يعني انتي ممكن توافقي على أيمن؟ تنظر هبة إلى أعلى وتسرح قليلاً، ثم تتحدث: يعني لو ظهر حد مستواه أحسن ممكن يبقى في كلام تاني.. تنتقل هبة إلى الحديث عن إبراهيم.. كيف أصبحت الأمور الآن..؟ يبدو أن الأمور توقفت قليلاً.. تحدثت سلمى: لا.. أكملت هبة: يبقى هنسمع أخبار قريب؟ سكتت سلمى، ثم تحدثت: معرفش...

                   ………………………………

     قرر هاني الذهاب إلى صديقه تامر الذي كان بصحبته في هذا اليوم حسين ورامي.. في نفس الوقت كان إبراهيم في منزله، لم يرغب في الخروج.. تحدث هاني عن أول شهر في عمله مع عمه ربيع.. حصل اليوم فقط على الراتب الكبير 300 جنية.. ضحك الجميع.. تحدث تامر: أهو حاجة تمشي حالك بيها.. ثم ضحك حسين: ههههه، عمك ده راجل.... ولا بلاش عشان متزعلش.. هاني: لأ عادي، مفيش مشكلة، أنا عارف.. ثم تحدث هاني عن إبراهيم الذي يعمل معه في نفس المطعم.. تذكر الجميع قصة الحب التي جمعت بين إبراهيم وسلمى.. كان السؤال: وإيه أخبار سلمى؟ تحدث هاني مؤكداً أنه لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع، لكنه أكد أنه لا يؤمن بهذه العلاقات.. تحدث عن عم إبراهيم الذي عرض عليه العمل معه في شركته، ثم تناسى ذلك بعد رفض إبراهيم لفكرة الزواج من ابنته.. تحدث تامر: غريبة، بس الحوار ده قديم أوي، اتلغى من زمان.. حسين: قديم، بس موجود.. بس ليه رفض بقى..؟! يرد هاني: ما انت عارف يا ابني.. يرد حسين: تصدق كان المفروض يشوف مصلحته.. يتدخل تامر: لأ، هيما صح.. الراجل بيحب سلمى، يبقى مينفعش يتجوز غيرها.... اختلف معه هاني في الرأي.. تحدث حسين عن أنه قد يجد عملاً في وقت قريب.. رد تامر: طب ابقى شوفلي معاك أي حاجة.. ثم تحدثا عن رحلة الإسكندرية التي قاما بها الأسبوع الماضي، كم كانت رحلة رائعة..!

                     ………………………………

     هي أيام رائعة تلك التي يعيشاها سامي وسما.. اقترب موعد الاحتفال بخطوبتهما.. مر أمامهما شريط الذكريات.. كان سامي في تلك اللحظات يتحدث مع سما للاطمئنان عليها قبل أن يخلد إلى النوم.. تحدثت سما عن والدها الذي كان دائم الخوف عليها.. تحدثت عن آمال التي تولت تربيتها لفترة طويلة.. تحدث سامي عن مستقله مع سما الذي يشعر بأنه سيكون رائعاً.. إنها قصة حب رائعة سيتم قص الشريط لكي تبدأ مراسم تتويجهما معاً في الأسبوع المقبل.. سما تنظر إلى النتيجة مرات عديدة في اليوم الواحد، هذا بالإضافة إلى التاريخ الذي تتأكد منه كثيراً من خلال هاتفها على أمل أن يكون الوقت قد مر سريعاً ليقربها من يوم الاحتفال بالخطبة السعيدة.. هذا أيضاً ما كان يفعله سامي.. كانت والدته تتعجب من رغبته في أن يأتي هذا اليوم الآن قبل غداً، فتحدثه: ومستعجل أوي على أيه..؟! يرد مبتسماً: لما تشوفي سما هتعرفي، لما تكلميها؛ سما دي ملاك.. كانت والدته تشعر بأن سامي يبالغ في حديثه عن سما، ثم تعقب بلا صوت: تلاقيها بنت عادية من بنات اليومين دول، خليه يفرح له يومين.

                     ………………………………

     وقف إبراهيم في بلكونة غرفته ليلاً.. أخذ يفكر بعد أن تحدث قليلاً مع سلمى.. شعر بأن أسلوبها معه في الحديث بدأ يتغير قليلاً.. شعر أيضاُ أن الوقت يمر سريعاً.. ليتني أستطيع أن أوقف الوقت قليلاً لأفكر، لأرى ماذا سأفعل.. هذا ما كان يدور بخلد إبراهيم.. سلمى أيضاً كانت في حيرة من أمرها، فإبراهيم ليس لديه أية خطط واضحة لمستقبله.. كيف يمكنها أن ترى مستقبلهما معاً وهي تعلم أن عليها الانتظار، بل قد يكون الانتظار طويلاً.. تعلم أن إبراهيم قد يفعل المستحيل من أجلها، لكنها باتت قلقة حيال هذه المشاعر المتبادلة بينهما.. إلى أين تأخذها تلك المشاعر.. هل من الممكن أن يجد إبراهيم بديلاً لها، ولما لا..؟ ربما يكون ذلك أفضل له ولها.. لم يكن إبراهيم يتخيل أن يرى بديلاً لسلمى.. كان يراها الحب الأول والأخير بحياته.. كان هناك صوتاً مسموعاً يخرج من شقة أحد جيرانه؛ إنها أغنية.. الأيام دي صعبة شوية، واللي مهون الأيام دي، خوفك انتي يا روحي عليا، بيخلي الأيام دي تعدي، حبك بس اللي مخليني أصبر عالدمع اللي في عيني، خليكي جنبي وقويني، انتي أغلى العالم عندي.... "يا سلام.. حبك بس اللي مخليني أصبر عالدمع اللي في عيني.. خليكي جنبي بقى يا سلمى...." هكذا تمتم إبراهيم.

                  ………………………………
                                    إلى اللقاء في الحلقة القادمة