backgrounds | Free Pics

السبت، 29 أكتوبر 2011

الدوبلير (6)


-6-

      أمضى إبراهيم شهره الثاني في العمل بنفس المطعم، وجد أن الأمور المالية لن ترتفع عن هذا الحد.. ماذا عساه أن يفعل..؟! الوقت يمر، سلمى تبتعد بهذا الشكل.. حاول هاني أن يداعبه في بعض الأوقات بأن يمزح معه عندما يجده مهموماً.. كان إبراهيم يفكر كثيراً طوال هذا الشهر.. استمر إبراهيم في العمل شهراً آخر.. كانت أيضاً كلمات الحاج ربيع تشير إلى أن هذا الشهر سيشهد تطوراً مادياً لإبراهيم وهاني.. انتهى الشهر الثالث بالمطعم، لكن الراتب لم يزد، ظل كما هو.. لم يستمع إبراهيم وهاني هذه المرة للوعود التي رددها الحاج ربيع.. لم يكن بوسعهما الاستمرار شهراً آخر من أجل زيادة علما أنها مجرد وعوداً لن تحدث.. تحدث إبراهيم: عمك ده راجل..... ولا بلاش.. هاني: لأ قول براحتك، أنا اتصدمت فيه، أنا بقول طول عمري جدي مخلفش بعد أبويا.. إبراهيم: المهم أنا مش رايح بكرة.. هاني: ولا أنا، بس مش المفروض كنا نقوله من النهاردة عشان يعمل حسابه.. إبراهيم: يعني هو ليه مقالش بردو إن آخرنا معاه 300 عشان نعمل حسابنا بردو..؟ هاني: خلاص، أنا هروح بكرة، وأقوله انت تعبان، ومش هتقدر تيجي الأسبوع ده.. إبراهيم: يبقى دبست نفسك يا حلو.. هاني: لا يا باشا، أنا هروح متأخر، وأغيب يومين، لغاية ما يزهق ، ويرفدني.. إبراهيم: عموماً لو رفدك انت الكسبان.. ويقرر الصديقان تنفيذ هذه الخطة.. كان أيضاً الحاج ربيع قد استفزهما بقوله: على فكرة أنا كنت بشغل واحد بس يمسك حسابات المطعم، كان واد جن، وكان بياخد 500 جنية، يعني لو اتنين المفروض الواحد يبقى 250، بس عشان انتو مش زي أي حد أنا قلت الواحد 300.. تمالك كلاهما أعصابه، وأمسكا لسانهما عن بعض الألفاظ التي عادة ما يستخدمها المرء في بعض المواقف المستفزة...

                    ………………………………

     جلست سعاد مع سلمى في حجرتها ليلاً.. تحدثا في الموضوع تلو الآخر.. وصلا إلى الحديث عن سامية خالتها.. بالطبع سيكون أحد أجزاء الحديث هو عمر.. ستأتي سامية الأسبوع المقبل لتناول الغداء والحديث سوياً.. سيأتي عمر، والحاج عبد الفتاح أيضاً.. تعرف سعاد جيداً أن هذه الزيارة تحمل في طياتها بعض الموضوعات الأخرى.. سامية التي لطالما كانت تلقي ببعض الكلمات عند الحديث عن سلمى: عايزين نفرح بسلمى.. عايزين نجوز عمر.. شوفتي الصورة دي (صورة تجمع عمر مع سلمى بالإضافة إلى مجموعة من الأقارب) لايقين على بعض.. كانت سعاد تبتسم، لم تعط سعاد أية إجابات على هذه التلميحات الواضحة.. سلمى أيضاً كانت تتهرب من الحديث بشأن هذا الموضوع.. كانت تعرف أنها يوما ما ستكون في جلسة مثل هذه مع والدتها.. لا مجال لكي تهرب من الحديث بهذا الشأن.. الوقت قد مر، الزيارة قادمة.. سلمى أخذت تشكر في عمر، كانت في نفس الوقت تبحث عن مخرج لها.. لم تجد به عيوباً واضحة.. تحدثت عن انشغاله بالعمل، فهو يكرث معظم وقته للعمل.. كانت الإجابة بأن هذا في فترة ما قبل الزواج، بالطبع سيختلف الوضع بعد الزواج.. تحدثت سلمى عن أنها تعتبره أخاً لها ليس أكثر.. وما المشكلة، إن من مميزاته أنكِ تعرفينه جيداً.. منذ صغره وهو يأتي إلينا كثيراً مع سامية.. إذن وبعد أن ذكرت سلمى السبب تلو الآخر معبرة عن رفضها لهذه الزيجة، لم تجد سلمى أمامها إلا أن تصرح بأنها لا تشعر بأنها تحبه.. وماذا يعني ذلك؟ لم أكن أحب والدك، لكننا تزوجنا.. ليست هذه بمشكلة.. الحب يأتي بعد الزواج.. ارتفع صوت سلمى قليلاً: مين اللي قال كدا؟ ردت سعاد بهدوء: هيا دي الحقيقة.. ده الواقع.. لطالما كانت حكايات الحب في الأفلام هي لمجرد المشاهدة، أو لقضاء وقت رائع أمامها فقط.. إنما الواقع يختلف عن ذلك كثيراً.. سرحت سلمى قليلاً.. أخذت تفكر في هذه الكلمات.. تذكرت إبراهيم...

                  ………………………………

     تحدث هاني مع والده قليلاً، حيث جلسا ليشاهدا التليفزيون بعد تناول الغداء، وأخذا يشربان الشاي.. كانا أمامهما فيلم (ابن حميدو).. "صلاة النبي أحسن" هكذا تحدث توفيق الدقن بعد أن أكل إسماعيل يس قطعة الحشيش.. كانا يضحكان قليلاً.. تحدث مجدي والد هاني: يعني عمك بردو مش عايز يزود مرتبك.. هاني: ما انت عارف يا بابا؛ عمي ربيع في مواضيع الفلوس ما بيعرفش حد.. يرد مجدي: هو لسه فيه العادة الزفت دي.. ويستمر الحديث عن الحاج ربيع قليلاً.. ينصحه مجدي بأن يستمر قليلاً في هذا العمل إلى أن يجد بديلاً مناسباً.. يختلف هاني معه في الرأي.. إنه يبذل قصارى جهده مع الحاج ربيع، لكنه لا يجد التقدير.. تدخل الأم ( نادية)، وبعد أن تجلس: أنا قلتلك عمك ربيع ده جلده.. يرد مجدي: الراجل بيعلمه، خليه يعرف قيمة القرش، مفيش حاجة بتيجي بالساهل كده.. هاني: أنا عارف الكلام ده كله.. نادية: بيعرَّفو إيه؟ وقيمة قرش أيه..؟! هو ده طبعه، انت مش فاكر لما كنا محتاجين 1000 جنية ضرورى، وذلنا، وفي الآخر مطلعناش منه غير ب 500 جنية.. فاكر لما كنت بعمل العملية من سنتين، كان عارف إننا محتاجين مصاريف، وعمل نفسه مش واخد باله، بعدها لما عرف إنك محتاج 3000 جنية، قعد يقولك على المشاكل اللي عنده، وبعدين طَلَّع 250 جنية من جيبه، وبعدها بأسبوع غير العربية بتاعته.. واستمر الحديث بينهما عن الحاج ربيع.. تذكر نادية بعض المواقف.. يقابلها مجدي ببعض التبريرات.. ويتدخل هاني بينهما ببعض الجمل مع مشاهدته للفيلم...

                    ………………………………

     جلس إبراهيم على سريره أثناء تحدثه في هاتفه.. كان يتحدث مع سلمى.. تحدث معها عن أسباب تركه لعمله.. كان لديه بعض الضيق الذي لم تخلُ منه سلمى أيضاً.. أعرب عن سعيه للبحث عن عمل مناسب يستطيع أن يستمر به لفترة.. أخذت سلمى تتحدث عن الصعوبات التي تواجههما، كما أنها تتعرض لبعض الضغوط من والدتها بشأن الزواج من عمر.. كان إبراهيم يشعر بالألم لعدم قدرته على التقدم لسلمى في الوقت الحالي، كما أنها قد تضيع منه.. كانت سلمى تستمع لبعض الأغاني من خلال جهاز الكمبيوتر الذي كان بجوارها.. مرت عدة أغاني والحديث مع إبراهيم لا يزال مستمراً.. بدأت أغنية أخرى:

فِل ومش حرزانه تبكي..  خبريتنا صارت ذكرى 
لا ع مبارح فينا نحكي..  ولا فينا نحكي عن بكره 

صدقني مش ممكن حبك.. ما عم بقدر فكر فيك 

ما بدي عذبلك قلبك.. دمع وأحزان بيكفيك
    
     سألها إبراهيم: إيه الأغنية دي..؟ ردت سلمى: إليسا.. صمتت بعدها قليلاً.. كان إبراهيم يتحدث عن أمنياته بأن تكون الأيام المقبلة أفضل.. تذكر رحلتهما مع بعض الأصدقاء إلى الأهرامات في يوم رائع قضياه معاً.. كان ينظر إبراهيم إلى الهرم الأصغر وهما يجلسان أسفل خفرع: أجدادنا دول كانوا عباقرة، كل مرة بكون موجود هنا بحس قد أيه كانوا عظماء.. كانت سلمى تسرح قليلاً، ثم تتحدث عن موضوع آخر.. لم تكن سلمى تهتم كثيراً بذلك، لكن إبراهيم كان يحب قراءة التاريخ، وزيارة الأماكن التاريخية.. عندما ذهبا في رحلة الأقصر وأسوان كان إبراهيم منهمكاً في الحركة والبحث عن الأماكن التاريخية، في حين كانت سلمى: طب نستريح شوية، الناس دول كانوا فاضيين على فكرة، ههههههه...
     كانت سلمى تستمع لكلمات الأغنية:

وحياتك عندي حبيب.. علمني اعشق بجنون 
هالدنيا قسمة ونصيب.. ما بنقدر مع بعض نكون

     يتحدث إبراهيم: انتي رحتي فين يا بنت.. سلمى: معاك، بس كنت بفتكر أيام الأقصر وأسوان، كانت أيام جميلة.. ثم تبتسم قليلاً قبل أن تفاجئها إليسا:

إنشالله راح بتلاقي الحب اللي بتتمنى يبقى حدك 

إنشالله راح بتلاقي الحب اللي بتتمنى يبقى حدك 

وتنسى شو تعذب هالقلب..  بيكفي تتذكر شو بدك

                  ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الدوبلير (5)


-5-

     جلس إبراهيم بصحبة هاني – الذي جلس أمامه - مع الحاج ربيع الذي كان وقتها على مكتبه الخاص في المطعم بعد انتهاء يوم العمل المتمم لأول شهر لهما في هذا المطعم.. بدأت الجلسة ببعض المزاح مع الحاج ربيع، أمسك هاني بأحد المجلات التي كانت أمام الحاج ربيع، ثم تحدث ضاحكاً: شوفت صورة عادل كرم (فنان مشهور) مع مراته.. نظر إبراهيم: فعلا صورة حلوة.. رد هاني: تصدق أول مرة أشوف صورتها، كنت فاكره متجوز موزة زي اللي بيطلعو في الأفلام معاه.. إبراهيم: بالعكس، هي جميلة فعلاً، بس جمال هادي.. هاني: هادي إزاي..؟! يرد الحاج ربيع: هادي خشبة، ههههههه.. يضحك إبراهيم: يعني جميلة جمال مختلف، جمال ميشوفوش غير الفنانين اللي زي عادل كرم.. هاني: يمكن، بس أنا بالنسبة ليا الجمال ليه شكل تاني، يعني مثلاً (يشير بسبابته على أحد الصور التي تعلو غلاف المجلة) شايف الفنانة الجميلة دي.. إبراهيم: سوزي محسن، يا ابن اللعيبة.. الحاج ربيع: دي البنت اللي كانت في المسلسل بتاع رمضان اللي فات، كان جوزها ميت وبعدين صحي في آخر المسلسل.. ثم يضحك الجميع بهذه الكلمات.. وبعد الاستمرار في المزاح تنتقل دفة الحديث إلى الشهر الأول الذي يجب أن يحصلا على أجره.. أجل الحاج الحديث عن الراتب إلى اليوم التالي نظراً لبعض الحسابات والمراجعات اللازمة.. توقع إبراهيم في هذه اللحظات أن يكون هناك بعض الإضافات على الراتب الذي تم الاتفاق عليه خلال هذا الشهر، وهو ما أكده له هاني وهما في الطريق إلى المنزل.. وفي اليوم التالي كانت الجلسة مشابهة لجلسة اليوم السابق.. حصل كل منهما على 300 جنية كما تم الاتفاق عليه مسبقاً.. لم تكن هناك أية إضافات حقيقة.. كانت هناك بعض كلمات الثناء على الآداء الجيد في العمل، وعلى تحسن وضع المطعم في ظل وجودهما به.. مع وعد بزيادة راتبهما في الشهر القادم.

                  ………………………………

     كانت سلمى قد قررت الخروج مع صديقتها هبة لتناول الغداء بأحد المطاعم، والخروج سوياً.. تحدثا أثناء تناول الطعام.. تنتظر سلمى أن تلتحق بأحد الشركات للعمل.. كانت هبة لا تفكر في العمل في الفترة القادمة، فلديها ما هو أهم بالنسبة لها.. إنها تفكر حالياً في ثلاثة مشروعات هامة.. المشروع الأول هو الزواج من ابن عمها أيمن الذي تقدم لخطبتها مع مباركة وتأييد من والدها: ده ولد محترم وابن حلال، وجاهز.. المشروع الثاني هو الزواج من ابن خالتها علاء الذي يحظى بتأييد والدتها.. المشروع الثالث هو الزواج من ياسر الذي يسكن معهم في نفس العمارة، وهو الذي كان يحظى بتأييدها في وقت سابق، لكنها الآن تفكر بجدية في الثلاثة مشروعات.. تحدثت معها سلمى: طب ليه متوافقيش على ياسر..؟! انتي تعرفيه من زمان، وبعدين انتي مش كنتي بتحبيه زمان..! صمتت هبة ثم تحدثت بابتسامه: حب ايه اللي انت جاي تقول عليه، يا بنتي ما أنا قولتلك قبل كده الحب ده كان أيام عبد الحليم حافظ وأنور وجدي، دلوقتي لازم تشوفي مصلحتك، الحب ليه وقته، بس الجواز ده موضوع أهم، ده مشروع المستقبل، بس أيمن هو أكتر واحد مستريح فيهم.. فكرت سلمى قليلاً في كلماتها، ثم تحدثت: يعني انتي ممكن توافقي على أيمن؟ تنظر هبة إلى أعلى وتسرح قليلاً، ثم تتحدث: يعني لو ظهر حد مستواه أحسن ممكن يبقى في كلام تاني.. تنتقل هبة إلى الحديث عن إبراهيم.. كيف أصبحت الأمور الآن..؟ يبدو أن الأمور توقفت قليلاً.. تحدثت سلمى: لا.. أكملت هبة: يبقى هنسمع أخبار قريب؟ سكتت سلمى، ثم تحدثت: معرفش...

                   ………………………………

     قرر هاني الذهاب إلى صديقه تامر الذي كان بصحبته في هذا اليوم حسين ورامي.. في نفس الوقت كان إبراهيم في منزله، لم يرغب في الخروج.. تحدث هاني عن أول شهر في عمله مع عمه ربيع.. حصل اليوم فقط على الراتب الكبير 300 جنية.. ضحك الجميع.. تحدث تامر: أهو حاجة تمشي حالك بيها.. ثم ضحك حسين: ههههه، عمك ده راجل.... ولا بلاش عشان متزعلش.. هاني: لأ عادي، مفيش مشكلة، أنا عارف.. ثم تحدث هاني عن إبراهيم الذي يعمل معه في نفس المطعم.. تذكر الجميع قصة الحب التي جمعت بين إبراهيم وسلمى.. كان السؤال: وإيه أخبار سلمى؟ تحدث هاني مؤكداً أنه لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع، لكنه أكد أنه لا يؤمن بهذه العلاقات.. تحدث عن عم إبراهيم الذي عرض عليه العمل معه في شركته، ثم تناسى ذلك بعد رفض إبراهيم لفكرة الزواج من ابنته.. تحدث تامر: غريبة، بس الحوار ده قديم أوي، اتلغى من زمان.. حسين: قديم، بس موجود.. بس ليه رفض بقى..؟! يرد هاني: ما انت عارف يا ابني.. يرد حسين: تصدق كان المفروض يشوف مصلحته.. يتدخل تامر: لأ، هيما صح.. الراجل بيحب سلمى، يبقى مينفعش يتجوز غيرها.... اختلف معه هاني في الرأي.. تحدث حسين عن أنه قد يجد عملاً في وقت قريب.. رد تامر: طب ابقى شوفلي معاك أي حاجة.. ثم تحدثا عن رحلة الإسكندرية التي قاما بها الأسبوع الماضي، كم كانت رحلة رائعة..!

                     ………………………………

     هي أيام رائعة تلك التي يعيشاها سامي وسما.. اقترب موعد الاحتفال بخطوبتهما.. مر أمامهما شريط الذكريات.. كان سامي في تلك اللحظات يتحدث مع سما للاطمئنان عليها قبل أن يخلد إلى النوم.. تحدثت سما عن والدها الذي كان دائم الخوف عليها.. تحدثت عن آمال التي تولت تربيتها لفترة طويلة.. تحدث سامي عن مستقله مع سما الذي يشعر بأنه سيكون رائعاً.. إنها قصة حب رائعة سيتم قص الشريط لكي تبدأ مراسم تتويجهما معاً في الأسبوع المقبل.. سما تنظر إلى النتيجة مرات عديدة في اليوم الواحد، هذا بالإضافة إلى التاريخ الذي تتأكد منه كثيراً من خلال هاتفها على أمل أن يكون الوقت قد مر سريعاً ليقربها من يوم الاحتفال بالخطبة السعيدة.. هذا أيضاً ما كان يفعله سامي.. كانت والدته تتعجب من رغبته في أن يأتي هذا اليوم الآن قبل غداً، فتحدثه: ومستعجل أوي على أيه..؟! يرد مبتسماً: لما تشوفي سما هتعرفي، لما تكلميها؛ سما دي ملاك.. كانت والدته تشعر بأن سامي يبالغ في حديثه عن سما، ثم تعقب بلا صوت: تلاقيها بنت عادية من بنات اليومين دول، خليه يفرح له يومين.

                     ………………………………

     وقف إبراهيم في بلكونة غرفته ليلاً.. أخذ يفكر بعد أن تحدث قليلاً مع سلمى.. شعر بأن أسلوبها معه في الحديث بدأ يتغير قليلاً.. شعر أيضاُ أن الوقت يمر سريعاً.. ليتني أستطيع أن أوقف الوقت قليلاً لأفكر، لأرى ماذا سأفعل.. هذا ما كان يدور بخلد إبراهيم.. سلمى أيضاً كانت في حيرة من أمرها، فإبراهيم ليس لديه أية خطط واضحة لمستقبله.. كيف يمكنها أن ترى مستقبلهما معاً وهي تعلم أن عليها الانتظار، بل قد يكون الانتظار طويلاً.. تعلم أن إبراهيم قد يفعل المستحيل من أجلها، لكنها باتت قلقة حيال هذه المشاعر المتبادلة بينهما.. إلى أين تأخذها تلك المشاعر.. هل من الممكن أن يجد إبراهيم بديلاً لها، ولما لا..؟ ربما يكون ذلك أفضل له ولها.. لم يكن إبراهيم يتخيل أن يرى بديلاً لسلمى.. كان يراها الحب الأول والأخير بحياته.. كان هناك صوتاً مسموعاً يخرج من شقة أحد جيرانه؛ إنها أغنية.. الأيام دي صعبة شوية، واللي مهون الأيام دي، خوفك انتي يا روحي عليا، بيخلي الأيام دي تعدي، حبك بس اللي مخليني أصبر عالدمع اللي في عيني، خليكي جنبي وقويني، انتي أغلى العالم عندي.... "يا سلام.. حبك بس اللي مخليني أصبر عالدمع اللي في عيني.. خليكي جنبي بقى يا سلمى...." هكذا تمتم إبراهيم.

                  ………………………………
                                    إلى اللقاء في الحلقة القادمة

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

الدوبلير (4)

-4-

     جلست سما لتتناول الغداء مع سامي في أحد المطاعم.. تحدث سامي عن سعادته لوجودها بجواره.. تحدث عن حبها الذي ملأ عليه حياته.. "أنا قابلت بنات كتير، بس لما قابلتك حسيت إحساس تاني كده.. في نفس الوقت حسيت إن انتي مختلفة.. غير أي بنت قابلتها..." هكذا تحدث سامي قبل أن ترد سما بابتسامة رقيقة: مختلفة إزاي يعني؟ يضحك سامي ثم يتحدث: يعني مفيش حد زيك يا قمر.. تحدث بعدها عن العامين الماضيين في كلية الآداب.. هذين العامين هما عُمر قصة حبهما.. كم كانا يقضيان وقتاً رائعاً في الكلية أو خارجها..!  كانت سما هي أول قصة حب حقيقية يعيشها سامي.. سامي هو الابن الأكبر لرجل الأعمال عبد المنعم سامي، مر سامي بعدة تجارب لا تعدو أكثر من إعجاب بأحد الفتيات، أو شعور طيب نحو أخرى ليس أكثر، لكنه كان يتملكه الشعور دائماً بأن كل هذا لا يعني شيئاً في قاموس الحب.. عندما التقطت عيناه سما كان وقتها الشعور مختلفاً.. كان سامي كذلك الحب الحقيقي الأول بحياتها.. كان لفقدها والدتها وهي لا تزال طالبة بالمرحلة الإعدادية أثراً بالغاً في حياتها.. ارتبط الحزن والألم بسما لوقت طويل.. استمرت سما لفترة طويلة تستيقظ مبكراً وتذهب إلى غرفة والديها لكي توقظهما لتناول طعام الإفطار.. بالطبع لم تكن تجدها..! كانت تجد والدها، وأحياناً تجد الغرفة خاوية نظراً لخروج والدها للعمل مبكراً، أو لسفره.. كانت تبكي وقتها؛ تستمر في البكاء بعد فترة من التفكير الذي يهديها إلى أنها لن تراها مرة أخرى.. عندما التقطت عيناها نظرة أحد الشباب الذي لم تكن تعرفه وقتها، كانت تقف مع ثلاث فتيات من أصدقائها، شعرت بشيء ما تجاه هذا الشاب.. عينان زرقاوتان، وجه أبيض لشاب وسيم له شعر أسود قد صففه للخلف، لكنه يتحرك مع الهواء.. ها هو سامي يجلس مع سما الآن.

                  ………………………………

     بعد عدة أيام من العمل مع (الحاج ربيع) شعر إبراهيم بأن الحياة قد عاودت الابتسام إليه مرة أخرى.. شيء رائع أن يجد التقدير من صاحب العمل.. كان التقدير هو بعض الكلمات التي يسمعها في كل يوم، والتي تحمل معاني: "الله ينور.. من ساعة ما جيتو والرزق بيزيد كل يوم..." كلمات رائعة كانت تثلج صدر إبراهيم.. كان أحيانا يتحدث معه بقوله: يا ابني.. كان يتبادل المزاح مع صديقه هاني أحياناً أثناء العمل، وكان يشاركهما المزاح الحاج ربيع.. كان هاني يذهب بصحبة إبراهيم إلى العمل، ويعود معه.

                ………………………………

     تتحدث آمال مع سعيد بعد أن دخلت إلى مكتبه حيث كان يقوم بمراجعة بعض الأوراق.. تجلس وتتحدث معه عن صحته حيث كان قد شعر ببعض الآلام في ظهره منذ عدة أيام.. أجابها بأنه أًصبح اليوم بحالة جيدة.. ثم انتقلت إلى الحديث عن عمله، تراه يجلس في مكتبه برغم شعوره ببعض التعب.. تنتقل للحديث عن سما، أصبحت أكبر سناً.. ثم تحدثت عن أن هناك شاباً يرغب في مقابلته للتحدث معه بشأن سما.. إنه شاب رائع، والده رجل الأعمال عبد المنعم سامي.. ظهرت بعض ردود الأفعال من سعيد.. جمل تبدأ بكلمات مثل:"لكن.. بس.. انتي عارفة..." وكانت آمال تجد الكلمات المناسبة لإقناعه بمقابلته، وتؤكد له على ثقتها بأنه سوف يكون عند حسن ظنه.

                ………………………………

     التقت سلمى بإبراهيم في محطة مترو محمد أنور السادات حيث كانت قد ذهبت لتقديم أوراقها في إحدى الشركات بتوصية من عمها رفعت.. كان إبراهيم  قد أكد عليها أن تنتظره لكي يراها ويتحدثا قليلاً بعد خروجه من عمله.. نظرت سلمى إلى إبراهيم الذي لم تعتده من قبل.. يبدو عليه بعض الإرهاق.. يتحدث بجدية أكثر.. منذ أن استيقظ إبراهيم وهو يفكر في سلمى.. كيف أصبحت، لم يرها منذ شهر مضى.. هل هي أيضاً مشتاقة لرؤيته.. كانت سلمى في هذه المرة أكثر تحفظاً.. تعرف أنها يجب أن تتخذ -في وقت قريب- أحد القرارات الهامة في حياتها.. عليها أن تعرف إلى أين ستأخذها مشاعر الحب التي تربطها بإبراهيم.. تعرف أن عمر ابن خالتها سامية يتمتع بالعديد من المزايا التي لا تستطيع أن ترفضها، لكنها لا تحبه..! إنها معادلة صعبة.. تحدث معها إبراهيم قليلاً عن عمله الجديد.. أكد لها أيضاً أنه سيبحث عن عمل آخر يكون راتبه أفضل.. أيضاً من الممكن أن يرتفع راتبه مع الحاج ربيع.. سرحت قليلاً، ثم تحدثت: يعني مينفعش تشتغل مع عمك دلوقتي.. " زي ما قلتلك عمي عايزني أتجوز بنته.. وبعدين أنا رفضت بطريقة بايخة..." هكذا تحدث إبراهيم.. استقبلت سلمى كلماته ببعض الضيق.. تذكرت كلمات صديقتها هبة التي لطالما كانت تؤكد لها أن زمن الحب قد انتهى، لقد كان ذلك وقت عبد الحليم حافظ.. لقد تغير الزمان، لا يوجد وقت لكي نبكي لفقد الحبيب، علينا أن نفكر أولاً في المصلحة التي ستعود علينا.. حركت سلمى رأسها لأسفل كموافقة على كلمات هبة.. ابتسم إبراهيم لهذه الموافقة حيث كان يقول: أنا مبسوط أوي عشان شوفتك النهاردة، امتى بقى نبقى مع بعض علطووول..

                ………………………………

     جلس سعيد مع الحاج عبد المنعم سامي، وابنه سامي للحديث بشأن سما.. كان سعيد قد جلس مع سما قبلها بعدة أيام لكي يتحدث معها في هذا الأمر.. أكدت سما على أنها تعرف سامي جيداً.. كان زميلاً لها في الكلية.. شاب مهذب يمكن الاعتماد عليه..... بدأ سعيد يقتنع بهذا الموضوع.. ظل يتذكر ابتسامة سما وهي تتحدث عن سامي.. قبل أن يتحدث عن موافقته قرر أن ينتظر إلى أن يأتي سامي، ويتحدث معه.. بالطبع ستكون الأمور أكثراً وضوحاً.. أصبح سعيد أكثر تقبلاً لأن يتزوج هذا الشاب من ابنته بعد أن جلس معه، ومع والده.. تحدثا في عدة أمور.. إنه شاب رائع.. كان القرار بأن تكون الخطبة بعد أسبوعين.. نظر سامي إلى سما.. تبادلا ابتسامة هادئة توحي بسعادة بالغة تملكتهما في تلك اللحظة.

                 ………………………………

     يتناول إبراهيم العشاء مع والدته.. يتحدثا قليلاً إلى أن يصلاُ إلى الحديث عن المطعم الذي يعمل به.. يبتسم قليلاً، ثم يتحدث بجدية.. أكد لسوسن أنه يشعر بالراحة في هذا العمل.. يمتدح قليلاً الحاج ربيع ومواقفه معه.. ينتقل للحديث عن أن هذا الشهر هو مجرد تدريب له.. لكنه قد أثبت كفاءة في عمله.. سيزداد راتبه بعدها.. غداً سيحصل على أول راتب له.. سيحصل غالباً على 300 جنية.. قد يقرر الحاج ربيع زيادة هذا المبلغ.. لقد كان يمتدحه كثيراً.. تبتسم سوسن ثم تدعو لابنها.. تؤكد له أنه يجب أن يحصل على راتب أكبر من ذلك.. يصمت ثم يقول مازحاً: لو كنت اشتغلت عند عمي سعيد، كنت اشتغلت واتجوزت دفعة واحدة.. تضحك سوسن، ثم تقول: كدا أحسن يا ابني.. يصمت ثم يسرح قليلاً.. "ساعات بحس إن الدنيا بتضحكلي.. وساعات بحس إن الدنيا بتضحك عليا..." هكذا تحدث إبراهيم بألم.. وضعت سوسن يدها اليسرى على كتفه الأيمن، ثم تحدثت قائلة: هتضحكلك يا إبراهيم، انت ابن حلال وتستاهل كل خير.

               ………………………………
                              إلى اللقاء في الحلقة القادمة

الخميس، 13 أكتوبر 2011

الدوبلير (3)

-3-

     وقف إبراهيم في بلكونة غرفته يفكر، سرح قليلاً.. يفيق على صوت سوسن التي تنادي عليه.. عقارب الساعة  تجاوزت السادسة مساءاً.. تسأله سوسن عما إذا كان سيذهب إلى الحفل الذي دعاه إليه عمه سعيد.. وقفت سوسن معه قليلاً داخل البلكونة، ثم انتقل إلى داخل غرفته، جلس على سريره، في حين جلست سوسن على كرسي مقابل له.. "أنا قلت بلاش أروح..." هكذ تحدث إبراهيم الذي أوضح بعد ذلك بعض الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار الذي يحمل بداخله قراراً آخر قد اتخذه إبراهيم.. "كنت حاسة إن انت مش عايز الجوازة دي" هكذا كانت إجابة سوسن تعقيباً على موقف إبراهيم الذي اتخذه في هذا الشأن.. تحدث إبراهيم عن نظرته للزواج.. أسرة سعيدة، توافق بين الزوجين، حياة يملؤها الحب؛ ليست بضاعة تقبل المساومة؛ كيف يمكن أن يختار ما بين الحب والعيش مرفهاً؟! ليست هذه هي الحياة التي يريدها، لمَ لا يكون الحب والرفاهية معاً؟! –يتوقف قليلاً- وإن كان أحدهما فليكن الحب.


                       ......................................

     تجلس سما على سريرها، يستند ظهرها إلى مقدمة السرير، تلتف يداها حول ركبتيها التي ضمتهما إلى صدرها.. تدخل آمال في هذه اللحظات، تبتسم، ثم تتحدث عن الحفل الذي كان رائعاً بصبحة الأصدقاء، تقترب من سما، تسألها السؤال المعتاد: "انتي لسه صاحية"، وترد بالإجابة المعروفة: "شوية وهنام"، ثم تتحدث معها آمال.. كانت سما مبتهجة بعد حفل رائع، كذلك كانت تملؤها بعض التساؤلات، فالأيام الماضية كان والدها يتحدث معها كثيراً عن عمها يوسف وذكرياته معه، ثم ينتقل ليتحدث أكثر عن ابن أخيه إبراهيم.. إنه شاب رائع، يمكن الاعتماد عليه.

     كانت الرسالة قد وصلت إلى سما، فقد علمت برغبة والدها في أن تتزوج من إبراهيم، وهو الأمر الذي كانت ترفضه.. لماذا تتزوج بهذا الشكل؟ ولماذا يعتقد والدها أن الجميع يلهث وراء أمواله؟! نعم إنها تُكن احتراماً كبيراً لإبراهيم، لكن هذا ليس سبباً مقنعاً لكي تتزوج به. أيدتها آمال في ذلك؛ لقد كانت تعلم أن سما سترفض ذلك، لقد ألمح سعيد إليها ذات يوم أنه يريد لابنته الزواج من شاب يحافظ عليها، وفي يوم آخر كان إبراهيم هو ذلك الشاب الذي يبحث عنه.. كانت آمال تعلم أن سما لن توافق على الزواج من إبراهيم أو غيره.. كانت تعرف الشاب الذي ستوافق سما على الزواج به.. بعد أن ابتسمت سما مرة أخرى، وتحركت لتلتقط هاتفها المحمول الذي كان يحمل رسالة جديدة.. إنه سامي؛ تقرأ الرسالة التي زادتها ابتهاجاً.. ثم تنظر إلى آمال التي تجلس أمامها على نفس السرير، "شوفتي سامي النهاردة" هكذا تحدثت سما، أجابتها آمال بابتسامه: أيوه، ثم تكمل سما حديثها عن سامي، كم كان رائعاً! ثم تصمت قليلاً، لقد كانت تتمنى أن يجلس سامي ليتحدث مع والدها قليلاً، لكن والدها كان مشغولاً قليلاً مع بعض أصدقائه، كان أيضاً يبدو عليه أنه يفكر في شيء ما.. لقد كان يفكر في سبب غياب إبراهيم عن هذا الحفل.. يبدو أنه قد نسي! لا، من المستحيل أن ينسى، فقد أكد عليه في الليلة السابقة؛ من الممكن أنه قد اتخذ قراراً بشأن ما دار بينهما في الليلة الماضية، يبدو أنه قد تسرع، أو قد رفض الفرصة التي لا تأتي كثيراً.. اتصل سعيد أيضاً بإبراهيم ليسأله عن سبب غيابه، وتحدث إبراهيم مؤكداً أنه يريد الزواج من فتاة أخرى؛ ما هذا الهراء؟! أيُّ فتاة هذه التي تجعله يرفض سما؟! –تمالك سعيد أعصابه- "ربنا يوفقك يا ابني" هكذا تحدث سعيد، ثم أكمل: وشركتي مفتوحة ليك في أي وقت، بس الفترة الجاية هكلمك أول ما يفضى مكان... "الله يخليك يا عمي" هكذا رد إبراهيم وهو يعلم أنه لن يكون هناك عملاً مع عمه في الواقع، فكلمات عمه حقيقةً لا تختلف عن كلمات بعض موظفي الحكومة أو بعض الشركات: "فوت علينا بكرة" التي تساوى "خلينا نشوفك" أي تصحبك السلامة.

                     ......................................

     ركب إبراهيم وهاني الأتوبيس في صباح اليوم التالي في طريقهما إلى مطعم ألف ليلة وليلة الذي يمتلكه الحاج ربيع (عم هاني).. منذ أن ذهب إبراهيم إلى هاني -وطوال الطريق- لم ينته حديث هاني عن عمه ربيع، إنه رجل كريم، إنها فرصة جيدة للعمل، أجر رائع، راحة، يستطيع أن يعمل مع الحاج ربيع إلى أن يجد عملاً آخر؛ ماذا تريد أكثر من ذلك..؟! "لأ، كدا قشطة جداً" هكذا تحدث إبراهيم الذي جلس بجوار الشباك في الأتوبيس، وأخذ ينظر إلى الشارع، إلى المحلات، نظر إلى السماء.. سرح قليلاً.. وجد نفسه يقف على السحاب، يرتدي بدلة سوداء رائعة، نظر أمامه فوجد سلمى، ما أجملها، ترتدي الفستان الأبيض، يقترب منها، يجثو على ركبتيه، يمسك بيدها اليمنى، يقوم بسحب الخاتم من يدها اليمنى بعد أن يقبلها، ثم يضعه في يدها اليسرى، ثم يقبلها، ينهض واقفاً، ويبدأ في الرقص معها مع الحركة يميناً ويساراً، موسيقى هادئة تعم المكان.. تصمت الموسيقى؛ ينظر إلى عينيها الرائعتين اللتان تتميزان باللون الأسود، مع وجه أبيض اللون، كانت تغطي شعرها كما تعود إبراهيم على رؤيتها – حيث ترتدي الحجاب-، يقترب إبراهيم منها أكثر.

     " إبراهيييم" هكذا تحدث هاني.. ينظر إبراهيم فيجد نفسه محتضناً هاني، وبعض الركاب في الأتوبيس ينظرون إليه.. سمع بعض الكلمات غير اللائقة.. اضطر لأن يرفع يديه لأعلى – وكأنه كان نائماً- ثم نظر إلى ساعته وتحدث: احنا اتأخرنا يا هاني.. رد هاني: صحي النوم انت بس.

    
     في مطعم الحاج ربيع كانت رائحة الطعام تملأ المكان ما بين أسماك ومشويات.. جلس هاني وإبراهيم على كرسيين أمام الحاج ربيع الذي جلس على مكتبه..كان الحاج ربيع يرتدي قمصياً  قد تركه خارج البنطلون الجينز الأزرق، هو رجل أسمر اللون، يتميز بكرش يبدو من خلال القميص ذو اللون الأسود والنقاط البيضاء.. وصفهما الحاج ربيع بأنهما محظوظان، فالعمل مع الحاج ربيع رائع، هناك الكثير ممن يأتون للبحث عن عمل، لكن هاني ابن أخيه الأكبر، وهو يثق به، وبالطبع سيكون صديقه مثله.. يقوم بتدخين الشيشة قليلاً، ثم يستمر في مدح العمل معه.. عليهما بحسابات المطعم، سيكون الشهر الأول لهما كتجربة، ثم يرتفع بعدها المرتب ليصبح بعدها ثابتاً، وقد يزداد من فترة لأخرى.

                ..........................................

     ذهبت سلمى بصحبة والدتها (سعاد) لزيارة خالتها (سامية) وتناول الغداء بصحبتها، كانت سلمى هي الابنة الوحيدة لسعاد كما كانت تفتخر دائماً أمام أقرابها وجيرانها.. "بنتي الوحيدة بميت راجل، بتعمل كل حاجة في البيت، وبتنجح بتقديرات عالية في الكلية كمان..." هكذا كانت تتحدث سعاد.. بعد تناول الغداء جلست سعاد بصحبة سلمى مع سامية لتناول الشاي في حين كان الحاج عبد الفتاح قد ذهب لينام قليلاً.. كذلك خرج عمر مع أحد أصدقائه الذي مرَّ عليه بعد الغداء.. تحدثت سامية مادحة عمر ابنها الأكبر الذي يعمل كمبرمج في إحدى شركات البرمجة.. يحصل على راتب رائع، بالطبع هو على خلق، وهو ما أكدته سعاد التي تعرفه منذ الصغر.. كانت سامية تتحدث وهي تنظر إلى سلمى التي كانت تنظر في اتجاه آخر، أو تنظر لأعلى، وأحياناً تنظر إلى الموبيل الذي أخرجته من حقيبتها كوسيلة للمساعدة في مثل هذه المواقف.. استمرت سامية في الحديث إلى أن طلبت من سعاد أن تأتي لزيارتها قريباً بصحبة الحاج عبد الفتاح، وابنها عمر.. بالطبع لن تكون هذه الزيارة لتناول الغداء، ثم إتباعه بكوب من الشاي الساخن.. يبدو أن هناك أمراً لا يروق لسلمى التي أخذت نفساً طويلاً، وأخرجته من فمها بقوة.


               ………………………………
                               إلى اللقاء في الحلقة القادمة

السبت، 8 أكتوبر 2011

الدوبلير (2)

-2-

    تحاول سوسن إيقاظ ابنها إبراهيم الذي كان لا يزال نائماً إلى ما بعد الساعة العاشرة صباحاً، فقد اتصل به عمه سعيد – الذي يملك شركة سما للمشروعات السكنية - لكي يسأل على نتيجته، ولكي يطلب منه أن يأتي ليجلس معه.. هكذا تحدثت سوسن مع إبراهيم، ثم همست: شكله هيشغلك في الشركة زي ما قالك زمان، فاكر لما قالك خَلَّص انت بس وملكش دعوة.. إبراهيم: بس ده مكلمناش من السنة اللي فاتت، أنا قلت ده نسينا كالعادة، يمكن يكون فعلا هيشغلني.. سوسن: طبعاً، ده فِرح أوي لما عرف إن أنت نجحت.


     يذهب إبراهيم في اليوم التالي إلى عمه في شركته، كان لديه الكثير من الأمل والتفاؤل، فعمه قد تذكر ما وعده به.. لكن هناك بعض الشكوك التي بدأت تراوده، لماذا لم يسأل عليك طوال هذه الأيام؟ إنه عام كامل بلا سؤال..! لكن الأكثر دهشة أن دعوته لكي يعمل مع عمه كانت منذ أربعة أعوام أو يزيد! هنا بدأت الأحلام تتطاير من رأسه.. توقف قليلاً، حاول الإمساك بهذه الأحلام.. إنه العم سعيد الذي لطالما كان منظماً في عمله، والده يوسف كان يقول: عمك سعيد ده بيحب ينظم شغله كويس، دا عليه ذاكرة قوية جداً، يعني لو عنده حاجة معادها بعد سنة، يفتكرها لوحده، بس هو دايماً ينسانا وقت كبير.. "حقاُ إنه ينسانا كثيراً" هكذا حدث إبراهيم نفسه، وقبل أن يفكر في هذه الكلمات وجد نفسه يتذكر عندما أتى عمه لزيارتهم، وجلس بجوار والده: انت عارف يا يوسف المشاغل والسفر، بس انت وأسرتك دايماً في بالي، والواد إبراهيم ده حبيبي.. حقاً إنه يحبه، لا داعي للقلق فقد تكررت هذه الكلمات أمامه منذ الصغر.. إنها الفرصة الذهبية لكي يبدأ حياته في شركة كبيرة، وبراتب كبير، شعر في هذه اللحظات أنه يقترب كثيراً من سلمى، يريد أن يسابق الزمن لكي يذهب إليها ويخبرها أن الأيام قد بدأت تبتسم لهما أكثر من أي وقت مضى.. ينادي السكرتير عدة مرات: يا أستاذ، يا أستااذ، يا أستااااذ.. إبراهيم: نعم.. تقدر تتفضل عشان تقابل الأستاذ سعيد.. ابتسم إبراهيم ووقف لكي يدخل إلى مكتب عمه سعيد.

     يستقبله سعيد بابتسامه عريضة، ثم يصافحه ويجلس على الكرسي الذي يقابله على المكتب كصديق مقرب له.. ثم يسأله عن والدته سوسن، كيف حالها؟ لعلها بخير.. يحرك إبراهيم وجهه لأسفل بما يعني أنها بخير: الحمد لله.. ثم يتحدث العم سعيد عن مكانة يوسف بالنسبة له، ومكانة إبراهيم بالطبع أيضاً، ويحكي بعض المواقف التي عاشها مع يوسف.. كم كان رائعاً، كان يبتسم دائماً، عندما كان يشعر بالتعب كان لا يخبر أحداً حتى لا ينشغل بمرضه، كان يوسف شقيقه الأصغر.. ينتقل للحديث عن نتيجة الكلية وهو ما رسم ابتسامه صغيرة على وجه إبراهيم، كم فرح العم سعيد بهذه النتيجة الرائعة! بالمناسبة ذاتها لقد نجحت سما (ابنة سعيد) في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، كان تقديرها أيضاً جيد جداً، إنها مصادفة رائعة، أليس كذلك؟ "بالطبع" كانت إجابة إبراهيم.. يؤكد بعدها سعيد أن سما قد فرحت فرحاً شديداً عندما علمت بنجاحه.. ابتسم إبراهيم ثم قال: ربنا يخليها ليك يا عمي، سما دي طول عمرها أكتر من أخت.. صمت العم سعيد قليلاً، ثم تحدث: أكيد طبعاً، على العموم بكرة في حفلة بمناسبة نجاح سما ونجاحك -عندي في الفيلا-  طبعاً الحاجة سوسن هتيجي معاك.. إبراهيم: أكيد يا عمي.. يستطرد سعيد: وانت يا إبراهيم مش عايزنا نفرح بيك بقى؟ يرد إبراهيم: بس الاقي شغل الاول يا عمي.. سعيد: متحملش هم الشغل يا إبراهيم، هتشتغل وبمرتب كبير كمان.. إبراهيم: متشكر جداً يا عمي.. سعيد: متقولش كده يا إبراهيم، وأنا ليا مين غيرك انت وسما بنتي....

     وفي مساء نفس اليوم يأتي العم سعيد لزيارة إبراهيم ووالدته.. تتعجب سوسن من قدوم سعيد في هذا الوقت تحديداً.. لطالما كان مشغولاًً في عمله، كان دائم السفر.. لقد كان إبراهيم معه بمكتبه صباح اليوم، يبدو أن سعيد عاد لصوابه.. لقد أتى بعد وفاة يوسف وتحدث كثيراً وقتها بعد أن امتلأت عيناه بالدموع، ثم تحدث واثقاً: يا إبراهيم لو احتجت حاجة كلمني، أنا ويوسف واحد، يا حاجة سوسن أنا تحت أمركم في أي حاجة، يوسف كان أكتر من أخويا.. ثم يعاود البكاء.. شعرت سوسن بأن سعيد قد تغير للأفضل.. يبدو أنه قد شعر بالذنب تجاه إبراهيم ابن شقيقه.. "احنا مش عايزين أكتر من شغل لإبراهيم" هكذا تحدثت بلا صوت بعد أن جلست على الكرسي المقابل لسعيد الذي جلس على الأريكة بجوار إبراهيم.

     بتحدث العم سعيد مرة أخرى عن ذكرياته مع يوسف.. ثم يتحدث عن معاناته بعد وفاة زوجته، وكيف أنه رفض أن يتزوج بعدها من أجل الحفاظ على سما، وتربيتها جيداً.. ينتقل بعدها للحديث عن أنهم أسرة واحدة، وأهل.. ليس لديه سوى سما، وسوسن ليس لديها سوى إبراهيم.. ثم يتحدث موجها كلماته لإبراهيم، إنه يحبه ويقدره، يعرف أنه ليس كمعظم الشباب في هذه الأيام.. لقد أصبح سعيد الآن أكبر سناً ويريد أن يطمئن على ابنته، إنه يرى أن إبراهيم هو الذي يستطيع الحفاظ عليها، ولمَ لا؟ فهو ابن عمها، كما أنه يستطيع أن يتحمل المسئولية.. لقد تضخمت أموال العم سعيد، يشعر أحياناً أن هناك كثيرين يسعون للزواج من سما طمعاً في الحصول على هذه الأموال والممتلكات.. لقد حَدَّثَهُ أحد رجال الأعمال الكبار عن رغبته في أن يزوج سما لابنه الأكبر، وبعدها علم سعيد أن هذا الشاب مدمناً على المخدرات، وسيء الأخلاق، بل كانت لديه منذ عدة أشهر مشكلة مع فتاة كان قد تزوجها سراً، ورفض أن يعترف بنسب طفلها إليه.. وقبلها كان هناك رجل أعمال آخر يريد أن يزوج سما لابنه الأصغر، وعلم سعيد بعدها أن هذا الرجل قد عرض زواج نفس الابن على ثلاثة فتيات يمتلك آبائهم ثروات ضخمة ، وقد قوبل الشاب بالرفض في المرات الثلاثة، يبدو أنه كان يفكر في أن يزوج ابنه لصاحبة ميراث ضخم في المستقبل.

    تتميز سما بالجمال الهاديء، لها شعر ناعم أسود اللون، خمرية اللون، قصيرة بعض الشيءً، صغيرة الحجم، رقيقة.. افتقدت سما والدتها منذ أن كانت في المرحلة الإعدادية، لكن والدها قام برعايتها، ووقف إلى جوارها، كان يلبي لها جميع طلباتها، ولكنه كان بعيداً عنها بعض الشيء، نظراً للسفر المتكرر أو الانشغال بعمله.. أحبت سما السيدة  آمال التي قامت على رعايتها منذ الصغر، وحلت محل والدتها، كانت تشعر أيضاًً بأنها صديقتها المقربة، بل كانت دائماً تحكي لها أسرارها الخاصة التي لا يعرف عنها سعيد شيئاً.

     بعد أن شعر سعيد بأن إبراهيم يتهرب من الرد على هذا الموضوع الذي طرحه بشأن زواجه من سما قرر أن يترك له مساحة من الوقت لكي يفكر، ويعيد النظر، بل و"يحسبها صح" كما ذكر تحديداً.. لكن سعيد شعر ببعض الغضب أيضاً.. كيف يفكر في أمر كهذا؟! إنها سما الجميلة، من المفترض أن يفرح بذلك، لا حاجة له أن يفكر، عليه أن يقبل.. سيحصل إبراهيم على عمل بمرتب خيالي.. ماذا سينقصه..؟! "سأترك له الفرصة لعله يعود إلى صوابه، أو تشاركه سوسن التفكير المتعقل" هكذا تحدث سعيد بلا صوت قبل أن يغادر المكان.

               ………………………………

     يذهب إبراهيم في اليوم التالي لزيارة صديقه هاني الذي يسكن بالقرب منه.. يتحدث معه عما حدث في اليوم السابق.. ماذا سيقول لعمه سعيد الذي أتى إليه؟ كيف يرفض هذا العرض بهدوء؟ يرد هاني: وليه ترفضه يا ابني؟ حد لاقي، بنت زي القمر، و شغل.. واللي انت عايزه.. عايز أيه تاني؟ يرد إبراهيم بغضب: انت اتجننت يا هاني؟ (ثم يخفض صوته قليلاً) انت مش عارف إن أنا بحب سلمى.. هاني: سيبك من الكلام ده، الفرص مبتجيش كل يوم، سلمى هتبيعك مع أول عريس، متضيعش الفرصة من ايديك.. إبراهيم: يعني أنا جايلك عشان أدور على طريقة أخلص بيها من الجوازة دي، تيجي انت تقنعني بالجواز.. هاني: خلاص حقك عليا، بس اعمل حسابك لو رفضت العرض ده يبقى مفيش شغل يا حلو.. "مش عايز شغل" هكذا رد إبراهيم مسرعاً.. ثم استطرد: أنا عايز طريقة عشان أخلص من الكابوس ده.. هاني: انت المفروض ترد على عمك امتى؟ يرد إبراهيم: النهاردة في حفلة بمناسبة نجاح سلمى، ( ويشير إلى نفسه بتهكم) ونجاحي أنا كمان.. هاني: خلاص، بلاش تروح الحفلة، ولما عمك يكلمك قوله إن انت بتحب واحدة تانية،بس.. إبراهيم: تصدق فكرة بردو.. هاني: وعدي عليا بكرة  الصبح، عندي ليك مفاجأة....

               ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة