backgrounds | Free Pics

السبت، 8 أكتوبر 2011

الدوبلير (2)

-2-

    تحاول سوسن إيقاظ ابنها إبراهيم الذي كان لا يزال نائماً إلى ما بعد الساعة العاشرة صباحاً، فقد اتصل به عمه سعيد – الذي يملك شركة سما للمشروعات السكنية - لكي يسأل على نتيجته، ولكي يطلب منه أن يأتي ليجلس معه.. هكذا تحدثت سوسن مع إبراهيم، ثم همست: شكله هيشغلك في الشركة زي ما قالك زمان، فاكر لما قالك خَلَّص انت بس وملكش دعوة.. إبراهيم: بس ده مكلمناش من السنة اللي فاتت، أنا قلت ده نسينا كالعادة، يمكن يكون فعلا هيشغلني.. سوسن: طبعاً، ده فِرح أوي لما عرف إن أنت نجحت.


     يذهب إبراهيم في اليوم التالي إلى عمه في شركته، كان لديه الكثير من الأمل والتفاؤل، فعمه قد تذكر ما وعده به.. لكن هناك بعض الشكوك التي بدأت تراوده، لماذا لم يسأل عليك طوال هذه الأيام؟ إنه عام كامل بلا سؤال..! لكن الأكثر دهشة أن دعوته لكي يعمل مع عمه كانت منذ أربعة أعوام أو يزيد! هنا بدأت الأحلام تتطاير من رأسه.. توقف قليلاً، حاول الإمساك بهذه الأحلام.. إنه العم سعيد الذي لطالما كان منظماً في عمله، والده يوسف كان يقول: عمك سعيد ده بيحب ينظم شغله كويس، دا عليه ذاكرة قوية جداً، يعني لو عنده حاجة معادها بعد سنة، يفتكرها لوحده، بس هو دايماً ينسانا وقت كبير.. "حقاُ إنه ينسانا كثيراً" هكذا حدث إبراهيم نفسه، وقبل أن يفكر في هذه الكلمات وجد نفسه يتذكر عندما أتى عمه لزيارتهم، وجلس بجوار والده: انت عارف يا يوسف المشاغل والسفر، بس انت وأسرتك دايماً في بالي، والواد إبراهيم ده حبيبي.. حقاً إنه يحبه، لا داعي للقلق فقد تكررت هذه الكلمات أمامه منذ الصغر.. إنها الفرصة الذهبية لكي يبدأ حياته في شركة كبيرة، وبراتب كبير، شعر في هذه اللحظات أنه يقترب كثيراً من سلمى، يريد أن يسابق الزمن لكي يذهب إليها ويخبرها أن الأيام قد بدأت تبتسم لهما أكثر من أي وقت مضى.. ينادي السكرتير عدة مرات: يا أستاذ، يا أستااذ، يا أستااااذ.. إبراهيم: نعم.. تقدر تتفضل عشان تقابل الأستاذ سعيد.. ابتسم إبراهيم ووقف لكي يدخل إلى مكتب عمه سعيد.

     يستقبله سعيد بابتسامه عريضة، ثم يصافحه ويجلس على الكرسي الذي يقابله على المكتب كصديق مقرب له.. ثم يسأله عن والدته سوسن، كيف حالها؟ لعلها بخير.. يحرك إبراهيم وجهه لأسفل بما يعني أنها بخير: الحمد لله.. ثم يتحدث العم سعيد عن مكانة يوسف بالنسبة له، ومكانة إبراهيم بالطبع أيضاً، ويحكي بعض المواقف التي عاشها مع يوسف.. كم كان رائعاً، كان يبتسم دائماً، عندما كان يشعر بالتعب كان لا يخبر أحداً حتى لا ينشغل بمرضه، كان يوسف شقيقه الأصغر.. ينتقل للحديث عن نتيجة الكلية وهو ما رسم ابتسامه صغيرة على وجه إبراهيم، كم فرح العم سعيد بهذه النتيجة الرائعة! بالمناسبة ذاتها لقد نجحت سما (ابنة سعيد) في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، كان تقديرها أيضاً جيد جداً، إنها مصادفة رائعة، أليس كذلك؟ "بالطبع" كانت إجابة إبراهيم.. يؤكد بعدها سعيد أن سما قد فرحت فرحاً شديداً عندما علمت بنجاحه.. ابتسم إبراهيم ثم قال: ربنا يخليها ليك يا عمي، سما دي طول عمرها أكتر من أخت.. صمت العم سعيد قليلاً، ثم تحدث: أكيد طبعاً، على العموم بكرة في حفلة بمناسبة نجاح سما ونجاحك -عندي في الفيلا-  طبعاً الحاجة سوسن هتيجي معاك.. إبراهيم: أكيد يا عمي.. يستطرد سعيد: وانت يا إبراهيم مش عايزنا نفرح بيك بقى؟ يرد إبراهيم: بس الاقي شغل الاول يا عمي.. سعيد: متحملش هم الشغل يا إبراهيم، هتشتغل وبمرتب كبير كمان.. إبراهيم: متشكر جداً يا عمي.. سعيد: متقولش كده يا إبراهيم، وأنا ليا مين غيرك انت وسما بنتي....

     وفي مساء نفس اليوم يأتي العم سعيد لزيارة إبراهيم ووالدته.. تتعجب سوسن من قدوم سعيد في هذا الوقت تحديداً.. لطالما كان مشغولاًً في عمله، كان دائم السفر.. لقد كان إبراهيم معه بمكتبه صباح اليوم، يبدو أن سعيد عاد لصوابه.. لقد أتى بعد وفاة يوسف وتحدث كثيراً وقتها بعد أن امتلأت عيناه بالدموع، ثم تحدث واثقاً: يا إبراهيم لو احتجت حاجة كلمني، أنا ويوسف واحد، يا حاجة سوسن أنا تحت أمركم في أي حاجة، يوسف كان أكتر من أخويا.. ثم يعاود البكاء.. شعرت سوسن بأن سعيد قد تغير للأفضل.. يبدو أنه قد شعر بالذنب تجاه إبراهيم ابن شقيقه.. "احنا مش عايزين أكتر من شغل لإبراهيم" هكذا تحدثت بلا صوت بعد أن جلست على الكرسي المقابل لسعيد الذي جلس على الأريكة بجوار إبراهيم.

     بتحدث العم سعيد مرة أخرى عن ذكرياته مع يوسف.. ثم يتحدث عن معاناته بعد وفاة زوجته، وكيف أنه رفض أن يتزوج بعدها من أجل الحفاظ على سما، وتربيتها جيداً.. ينتقل بعدها للحديث عن أنهم أسرة واحدة، وأهل.. ليس لديه سوى سما، وسوسن ليس لديها سوى إبراهيم.. ثم يتحدث موجها كلماته لإبراهيم، إنه يحبه ويقدره، يعرف أنه ليس كمعظم الشباب في هذه الأيام.. لقد أصبح سعيد الآن أكبر سناً ويريد أن يطمئن على ابنته، إنه يرى أن إبراهيم هو الذي يستطيع الحفاظ عليها، ولمَ لا؟ فهو ابن عمها، كما أنه يستطيع أن يتحمل المسئولية.. لقد تضخمت أموال العم سعيد، يشعر أحياناً أن هناك كثيرين يسعون للزواج من سما طمعاً في الحصول على هذه الأموال والممتلكات.. لقد حَدَّثَهُ أحد رجال الأعمال الكبار عن رغبته في أن يزوج سما لابنه الأكبر، وبعدها علم سعيد أن هذا الشاب مدمناً على المخدرات، وسيء الأخلاق، بل كانت لديه منذ عدة أشهر مشكلة مع فتاة كان قد تزوجها سراً، ورفض أن يعترف بنسب طفلها إليه.. وقبلها كان هناك رجل أعمال آخر يريد أن يزوج سما لابنه الأصغر، وعلم سعيد بعدها أن هذا الرجل قد عرض زواج نفس الابن على ثلاثة فتيات يمتلك آبائهم ثروات ضخمة ، وقد قوبل الشاب بالرفض في المرات الثلاثة، يبدو أنه كان يفكر في أن يزوج ابنه لصاحبة ميراث ضخم في المستقبل.

    تتميز سما بالجمال الهاديء، لها شعر ناعم أسود اللون، خمرية اللون، قصيرة بعض الشيءً، صغيرة الحجم، رقيقة.. افتقدت سما والدتها منذ أن كانت في المرحلة الإعدادية، لكن والدها قام برعايتها، ووقف إلى جوارها، كان يلبي لها جميع طلباتها، ولكنه كان بعيداً عنها بعض الشيء، نظراً للسفر المتكرر أو الانشغال بعمله.. أحبت سما السيدة  آمال التي قامت على رعايتها منذ الصغر، وحلت محل والدتها، كانت تشعر أيضاًً بأنها صديقتها المقربة، بل كانت دائماً تحكي لها أسرارها الخاصة التي لا يعرف عنها سعيد شيئاً.

     بعد أن شعر سعيد بأن إبراهيم يتهرب من الرد على هذا الموضوع الذي طرحه بشأن زواجه من سما قرر أن يترك له مساحة من الوقت لكي يفكر، ويعيد النظر، بل و"يحسبها صح" كما ذكر تحديداً.. لكن سعيد شعر ببعض الغضب أيضاً.. كيف يفكر في أمر كهذا؟! إنها سما الجميلة، من المفترض أن يفرح بذلك، لا حاجة له أن يفكر، عليه أن يقبل.. سيحصل إبراهيم على عمل بمرتب خيالي.. ماذا سينقصه..؟! "سأترك له الفرصة لعله يعود إلى صوابه، أو تشاركه سوسن التفكير المتعقل" هكذا تحدث سعيد بلا صوت قبل أن يغادر المكان.

               ………………………………

     يذهب إبراهيم في اليوم التالي لزيارة صديقه هاني الذي يسكن بالقرب منه.. يتحدث معه عما حدث في اليوم السابق.. ماذا سيقول لعمه سعيد الذي أتى إليه؟ كيف يرفض هذا العرض بهدوء؟ يرد هاني: وليه ترفضه يا ابني؟ حد لاقي، بنت زي القمر، و شغل.. واللي انت عايزه.. عايز أيه تاني؟ يرد إبراهيم بغضب: انت اتجننت يا هاني؟ (ثم يخفض صوته قليلاً) انت مش عارف إن أنا بحب سلمى.. هاني: سيبك من الكلام ده، الفرص مبتجيش كل يوم، سلمى هتبيعك مع أول عريس، متضيعش الفرصة من ايديك.. إبراهيم: يعني أنا جايلك عشان أدور على طريقة أخلص بيها من الجوازة دي، تيجي انت تقنعني بالجواز.. هاني: خلاص حقك عليا، بس اعمل حسابك لو رفضت العرض ده يبقى مفيش شغل يا حلو.. "مش عايز شغل" هكذا رد إبراهيم مسرعاً.. ثم استطرد: أنا عايز طريقة عشان أخلص من الكابوس ده.. هاني: انت المفروض ترد على عمك امتى؟ يرد إبراهيم: النهاردة في حفلة بمناسبة نجاح سلمى، ( ويشير إلى نفسه بتهكم) ونجاحي أنا كمان.. هاني: خلاص، بلاش تروح الحفلة، ولما عمك يكلمك قوله إن انت بتحب واحدة تانية،بس.. إبراهيم: تصدق فكرة بردو.. هاني: وعدي عليا بكرة  الصبح، عندي ليك مفاجأة....

               ………………………………
                                 إلى اللقاء في الحلقة القادمة

هناك تعليقان (2):