backgrounds | Free Pics

الخميس، 13 أكتوبر 2011

الدوبلير (3)

-3-

     وقف إبراهيم في بلكونة غرفته يفكر، سرح قليلاً.. يفيق على صوت سوسن التي تنادي عليه.. عقارب الساعة  تجاوزت السادسة مساءاً.. تسأله سوسن عما إذا كان سيذهب إلى الحفل الذي دعاه إليه عمه سعيد.. وقفت سوسن معه قليلاً داخل البلكونة، ثم انتقل إلى داخل غرفته، جلس على سريره، في حين جلست سوسن على كرسي مقابل له.. "أنا قلت بلاش أروح..." هكذ تحدث إبراهيم الذي أوضح بعد ذلك بعض الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار الذي يحمل بداخله قراراً آخر قد اتخذه إبراهيم.. "كنت حاسة إن انت مش عايز الجوازة دي" هكذا كانت إجابة سوسن تعقيباً على موقف إبراهيم الذي اتخذه في هذا الشأن.. تحدث إبراهيم عن نظرته للزواج.. أسرة سعيدة، توافق بين الزوجين، حياة يملؤها الحب؛ ليست بضاعة تقبل المساومة؛ كيف يمكن أن يختار ما بين الحب والعيش مرفهاً؟! ليست هذه هي الحياة التي يريدها، لمَ لا يكون الحب والرفاهية معاً؟! –يتوقف قليلاً- وإن كان أحدهما فليكن الحب.


                       ......................................

     تجلس سما على سريرها، يستند ظهرها إلى مقدمة السرير، تلتف يداها حول ركبتيها التي ضمتهما إلى صدرها.. تدخل آمال في هذه اللحظات، تبتسم، ثم تتحدث عن الحفل الذي كان رائعاً بصبحة الأصدقاء، تقترب من سما، تسألها السؤال المعتاد: "انتي لسه صاحية"، وترد بالإجابة المعروفة: "شوية وهنام"، ثم تتحدث معها آمال.. كانت سما مبتهجة بعد حفل رائع، كذلك كانت تملؤها بعض التساؤلات، فالأيام الماضية كان والدها يتحدث معها كثيراً عن عمها يوسف وذكرياته معه، ثم ينتقل ليتحدث أكثر عن ابن أخيه إبراهيم.. إنه شاب رائع، يمكن الاعتماد عليه.

     كانت الرسالة قد وصلت إلى سما، فقد علمت برغبة والدها في أن تتزوج من إبراهيم، وهو الأمر الذي كانت ترفضه.. لماذا تتزوج بهذا الشكل؟ ولماذا يعتقد والدها أن الجميع يلهث وراء أمواله؟! نعم إنها تُكن احتراماً كبيراً لإبراهيم، لكن هذا ليس سبباً مقنعاً لكي تتزوج به. أيدتها آمال في ذلك؛ لقد كانت تعلم أن سما سترفض ذلك، لقد ألمح سعيد إليها ذات يوم أنه يريد لابنته الزواج من شاب يحافظ عليها، وفي يوم آخر كان إبراهيم هو ذلك الشاب الذي يبحث عنه.. كانت آمال تعلم أن سما لن توافق على الزواج من إبراهيم أو غيره.. كانت تعرف الشاب الذي ستوافق سما على الزواج به.. بعد أن ابتسمت سما مرة أخرى، وتحركت لتلتقط هاتفها المحمول الذي كان يحمل رسالة جديدة.. إنه سامي؛ تقرأ الرسالة التي زادتها ابتهاجاً.. ثم تنظر إلى آمال التي تجلس أمامها على نفس السرير، "شوفتي سامي النهاردة" هكذا تحدثت سما، أجابتها آمال بابتسامه: أيوه، ثم تكمل سما حديثها عن سامي، كم كان رائعاً! ثم تصمت قليلاً، لقد كانت تتمنى أن يجلس سامي ليتحدث مع والدها قليلاً، لكن والدها كان مشغولاً قليلاً مع بعض أصدقائه، كان أيضاً يبدو عليه أنه يفكر في شيء ما.. لقد كان يفكر في سبب غياب إبراهيم عن هذا الحفل.. يبدو أنه قد نسي! لا، من المستحيل أن ينسى، فقد أكد عليه في الليلة السابقة؛ من الممكن أنه قد اتخذ قراراً بشأن ما دار بينهما في الليلة الماضية، يبدو أنه قد تسرع، أو قد رفض الفرصة التي لا تأتي كثيراً.. اتصل سعيد أيضاً بإبراهيم ليسأله عن سبب غيابه، وتحدث إبراهيم مؤكداً أنه يريد الزواج من فتاة أخرى؛ ما هذا الهراء؟! أيُّ فتاة هذه التي تجعله يرفض سما؟! –تمالك سعيد أعصابه- "ربنا يوفقك يا ابني" هكذا تحدث سعيد، ثم أكمل: وشركتي مفتوحة ليك في أي وقت، بس الفترة الجاية هكلمك أول ما يفضى مكان... "الله يخليك يا عمي" هكذا رد إبراهيم وهو يعلم أنه لن يكون هناك عملاً مع عمه في الواقع، فكلمات عمه حقيقةً لا تختلف عن كلمات بعض موظفي الحكومة أو بعض الشركات: "فوت علينا بكرة" التي تساوى "خلينا نشوفك" أي تصحبك السلامة.

                     ......................................

     ركب إبراهيم وهاني الأتوبيس في صباح اليوم التالي في طريقهما إلى مطعم ألف ليلة وليلة الذي يمتلكه الحاج ربيع (عم هاني).. منذ أن ذهب إبراهيم إلى هاني -وطوال الطريق- لم ينته حديث هاني عن عمه ربيع، إنه رجل كريم، إنها فرصة جيدة للعمل، أجر رائع، راحة، يستطيع أن يعمل مع الحاج ربيع إلى أن يجد عملاً آخر؛ ماذا تريد أكثر من ذلك..؟! "لأ، كدا قشطة جداً" هكذا تحدث إبراهيم الذي جلس بجوار الشباك في الأتوبيس، وأخذ ينظر إلى الشارع، إلى المحلات، نظر إلى السماء.. سرح قليلاً.. وجد نفسه يقف على السحاب، يرتدي بدلة سوداء رائعة، نظر أمامه فوجد سلمى، ما أجملها، ترتدي الفستان الأبيض، يقترب منها، يجثو على ركبتيه، يمسك بيدها اليمنى، يقوم بسحب الخاتم من يدها اليمنى بعد أن يقبلها، ثم يضعه في يدها اليسرى، ثم يقبلها، ينهض واقفاً، ويبدأ في الرقص معها مع الحركة يميناً ويساراً، موسيقى هادئة تعم المكان.. تصمت الموسيقى؛ ينظر إلى عينيها الرائعتين اللتان تتميزان باللون الأسود، مع وجه أبيض اللون، كانت تغطي شعرها كما تعود إبراهيم على رؤيتها – حيث ترتدي الحجاب-، يقترب إبراهيم منها أكثر.

     " إبراهيييم" هكذا تحدث هاني.. ينظر إبراهيم فيجد نفسه محتضناً هاني، وبعض الركاب في الأتوبيس ينظرون إليه.. سمع بعض الكلمات غير اللائقة.. اضطر لأن يرفع يديه لأعلى – وكأنه كان نائماً- ثم نظر إلى ساعته وتحدث: احنا اتأخرنا يا هاني.. رد هاني: صحي النوم انت بس.

    
     في مطعم الحاج ربيع كانت رائحة الطعام تملأ المكان ما بين أسماك ومشويات.. جلس هاني وإبراهيم على كرسيين أمام الحاج ربيع الذي جلس على مكتبه..كان الحاج ربيع يرتدي قمصياً  قد تركه خارج البنطلون الجينز الأزرق، هو رجل أسمر اللون، يتميز بكرش يبدو من خلال القميص ذو اللون الأسود والنقاط البيضاء.. وصفهما الحاج ربيع بأنهما محظوظان، فالعمل مع الحاج ربيع رائع، هناك الكثير ممن يأتون للبحث عن عمل، لكن هاني ابن أخيه الأكبر، وهو يثق به، وبالطبع سيكون صديقه مثله.. يقوم بتدخين الشيشة قليلاً، ثم يستمر في مدح العمل معه.. عليهما بحسابات المطعم، سيكون الشهر الأول لهما كتجربة، ثم يرتفع بعدها المرتب ليصبح بعدها ثابتاً، وقد يزداد من فترة لأخرى.

                ..........................................

     ذهبت سلمى بصحبة والدتها (سعاد) لزيارة خالتها (سامية) وتناول الغداء بصحبتها، كانت سلمى هي الابنة الوحيدة لسعاد كما كانت تفتخر دائماً أمام أقرابها وجيرانها.. "بنتي الوحيدة بميت راجل، بتعمل كل حاجة في البيت، وبتنجح بتقديرات عالية في الكلية كمان..." هكذا كانت تتحدث سعاد.. بعد تناول الغداء جلست سعاد بصحبة سلمى مع سامية لتناول الشاي في حين كان الحاج عبد الفتاح قد ذهب لينام قليلاً.. كذلك خرج عمر مع أحد أصدقائه الذي مرَّ عليه بعد الغداء.. تحدثت سامية مادحة عمر ابنها الأكبر الذي يعمل كمبرمج في إحدى شركات البرمجة.. يحصل على راتب رائع، بالطبع هو على خلق، وهو ما أكدته سعاد التي تعرفه منذ الصغر.. كانت سامية تتحدث وهي تنظر إلى سلمى التي كانت تنظر في اتجاه آخر، أو تنظر لأعلى، وأحياناً تنظر إلى الموبيل الذي أخرجته من حقيبتها كوسيلة للمساعدة في مثل هذه المواقف.. استمرت سامية في الحديث إلى أن طلبت من سعاد أن تأتي لزيارتها قريباً بصحبة الحاج عبد الفتاح، وابنها عمر.. بالطبع لن تكون هذه الزيارة لتناول الغداء، ثم إتباعه بكوب من الشاي الساخن.. يبدو أن هناك أمراً لا يروق لسلمى التي أخذت نفساً طويلاً، وأخرجته من فمها بقوة.


               ………………………………
                               إلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق