backgrounds | Free Pics

الأحد، 22 يناير 2012

الدوبلير (8)



-8-


     تحدثت سعاد مع سلمى مساء الثلاثاء..  ستأتي سامية وأسرتها لزيارتهم مساء الخميس، لم يتبق سوى يومان.. على سلمى أن تقرر، إما بالموافقة ووقتها ستقام الأفراح، سيفرح الجميع، كما أنها ستكون محظوظة لأنها ستتزوح  شاباً رائعاً، بالطبع سيحاول بشتى الطرق أن يوفر لها سبل السعادة.. يمكنها أن ترفض؛ وقتها ستتدهور العلاقات مع خالتها سامية، كما أنها ستخسر هذه الفرصة، ستظل تدور في دائرة لا تنتهي.. الوقت يمر عبثاً؛ قد تتورط يوماً ما في الزواج من شاب آخر غير معروف لأسرتها، وإن حدثت أي مشكلة فلن تستطيع وقتها أن تحصل منه لا على حق ولا باطل.. عليها أن تفكر جيداً.. ذهبت سعاد بعد هذه الجلسة التي اعتبرتها بمثابة جلسة النصح الأخيرة، جلسة تتشابه كثيراً مع مراجعة ليلة الامتحان بالنسبة للطلاب، فقد لخصت سعاد لها الموضوع، ثم تركتها لتفكر بمفردها.. جلست سلمى على سريرها في غرفتها المطفئة الأنوار، نظرت في الظلام، سرحت لبعض الوقت.. ماذا عساها أن تفعل؟ الوقت يمر حقاً، والعمر يضيع، ثم تذكرت نصائح صديقتها هبة التي حثتها على البحث عن مصلحتها، فالجواز أهم بكثير من الحب، إنه "مشروع مستقبل" على حد زعمها.. تعرف سلمى جيداً أن إبراهيم شخصاً نادراً، قد لا تستطيع أن تجد مثله.. لكنها تعرف أيضاً أن كفة عمر هي الأرجح، لا شك أنه على أتم الاستعداد للزواج اليوم قبل غداً.. تسحب كمية من الهواء بشدة، ثم تكتم أنفاسها وتغمض عينيها، ثم تفتح فمها ليندفع الهواء، فكأنها قد أخرجت مشاعرها الداخلية في صورة الهواء المنطلق من فمها.. شعرت بالهدوء قليلاً، قد يكون الاستسلام لواقع لا مفر منه، وقبل أن تعود لتفكر مرة أخرى، قررت أن تقف عند هذا الحد من التفكير.. تتذكر إبراهم مرة أخرى؛ لعله بخير.. هذا ما تمنته في تلك اللحظة.

                   ………………………………

     قبل مباراة الأهلي والمصري الهامة، استعد هاني وإبراهيم لاستقبال الزبائن.. في نفس الوقت كانت هناك مباراة أخرى تجمع بين فريقي الزمالك والجيش.. طالب بعض الحضور بمباراة الزمالك، وبالطبع كان الرد قاسياً من جمهور الأهلي الذي يرى أنه من البديهي أن تذاع مباراة الأهلي.. كان إبراهيم يريد أن يشاهد مباراة الزمالك، كما أن هاني كان يريد مشاهدة أحد الأفلام على قناة Channel 2..  عندما اختار إبراهيم مباراة الزمالك تعالت الأصوات المطالبة بمباراة الأهلى، وعندما عادت مباراة الأهلي تعالت الصيحات وسط تصفيق من مشجعي الأهلي، وسخط من جمهور الزمالك.. شعر هاني بالضيق، وقرر أن يختار الفيلم الذي كان ينتظره، وهنا صاح الجميع، وتطور الأمر بكلمة من هذا، ورد من ذاك، مع بعض السباب، وتدخل إبراهيم، ثم تحدث هاني، فكانت معركة قوية، تم تكسير المقهى خلالها.. وجاء بعدها الحاج يسري (خال إبراهيم) ونظر للمشهد في أسى.. بعد تلك الحادثة كان على هاني أن ينسحب من العمل في المقهى، كذلك انسحب إبراهيم بعد شعوره بأنه قد شارك في جلب الخسارة لخاله يسري الذي طالبه بالاستمرار في العمل، ولكن إبراهيم رفض ذلك العرض.. يعود إبراهيم مرة أخرى إلى نقطة البداية باحثاً عن عمل مناسب..تتحدث سوسن (والدته) معه لكي تزيل عنه بعض آلامه الكامنة داخله، كما تحاول أن تدعوه للتفاؤل، فالدنيا قد تدير ظهرها للمرء مراراً وتكراراً، لكنها لا شك يوماً ما ستبتسم له عندما يواجهها بتحدي وثقة في مستقبل بالطبع سيكون أفضل.. بكل أسى رد إبراهيم على كل هذه المهدئات والمسكنات التي شعر بأنها لن تجدي معه في تلك اللحظة، شعر بأنه الوحيد الذي تقف الدنيا في وجهه ليظل جالساً في مكانه، في حين أنها تفتح أبوابها على مصراعيها لغيره.. تساءل: لماذا يحدث كل هذا؟ إن كانت تنوي الابتسام؛ فمتى ستبتسم؟

                   ………………………………

     بعد محاولات عديدة من إبراهيم للوصول إلى سلمى؛ أخيراً قررت أن ترد على اتصاله.. ماذا حدث لكي ترفض أن ترد عليه؟ لقد زادته ألماً بعد أن شعر بأنها لن تتخلى عنه يوماً، يبدو أن الأمر قد اختلف، فالحلم الذي تتطاير فيه فقاعات الأمل والسعادة والفرح قد انتهى، وحان الوقت لكي يستيقظ من سباته العميق الذي لا مفر منه، فمهما طال الليل، ومهما بعد النهار، ومهما أثقله النوم في أحلام رائعة، فلا فائدة من كل هذا، عليه أن يستيقظ من نومه، ثم يخرج ليواجه الواقع، ويستقبل الحقيقة التي تؤكد أن السعادة التي ملأت أحلامه كانت سراباً.. مجموعة من الأوهام تطايرت في الهواء؛ هكذا شعر إبراهيم عند سماعه لصوت سلمى المرتعش، كانت تبدو مرتبكة، تحدثت في موضوعات متعددة.. كيف حاله؟ ثم لماذا ترك عمله؟ ولماذا لم يعمل من قبل مع عمه؟ ذكرها برغبة عمه سعيد في أن يزوجه من ابنته.. لماذا لم توافق؟ هكذا تحدثت سلمى.. انتقلت سلمى لتتحدث عن قصص الحب التي قد تفشل، لكن كل قصة حب لا شك أنها تمتلىء باللحظات والذكريات السعيدة التي تخلد في الدفاتر التي تحفظ في خزائن مدينة الحب التي يمر عليها العديد من البشر على مر التاريخ؛ في النهاية قد لا تكتمل القصة، لكنها قد تتوقف بلا خطأ من الطرفين، بل لظروف الواقع الذي يحيط بكلا الطرفين.. لم يتحدث إبراهيم كثيراً بعدما لمس مشاعر سلمى التي تغيرت فجأة – كما اعتقد إبراهيم - وبشكل غريب، لكن مشاعر سلمى كانت قد تغيرت بعد فترة عصيبة قضتها في التفكير.. قررت سلمى أن تبتعد، وأن تفكر جيداً بشأن هذا الموضوع.. كلمات ليست كالكلمات التي لطالما ألقتها سلمى على مسامعه.. انتهى الاتصال، واقترب الانفصال، وشعر إبراهيم بأن ما مضى كان أوهام، ولا فائدة من الانتظار...

                   ………………………………

     وصلت سامية وأسرتها مساء الخميس.. مر الوقت سريعاً ما بين حديث تصحبه بعض الضحكات، مروراً ببعض الهمسات، إلى الحديث عن طلب عمر الزواج من سلمى.. بالطبع أبدى الجميع موافقته بما فيهم سلمى.. بدا كأن الموافقة لا مفر منها، أو أن الموافقة أمر محسوم.. أثناء تناول الشراب الذي قدمته سلمى انتقل الحديث باتجاه فكرة أتت من سامية التي رغبت في التعجيل بالزواج خلال الستة أشهر القادمة.. لم يجد ذلك المقترح أية معارضة سوى بعض الكلمات – على استحياء - من سلمى، لكن كلماتها لم يُنظر إليها، فسعاد كانت قد تحدثت معها مراراً وتكراراً إلى أن حصلت منها على الموافقة المطلوبة.. صلة القرابة بينها والمعرفة المسبقة منذ الصغر لم تضع في الحسبان أن يتعارفا جيداً، وأن يتفقاً سوياً على المرحلة المقبلة.. شعرت سلمى في تلك اللحظة بأنها قد أخطأت، أو تسرعت، أو أن الأحداث تمضي أسرع مما تخيلت؛ شعرت بأن الستة أشهر ستمضي أسرع مما مضت تلك الليلة، لم تشأ أن تنظر إلى عمر، فكانت تتجنب النظر إليه، لم تشعر بالسعادة في تلك الليلة.. كان عمر ينظر إليها جيداً، يشعر بالسعادة، شعر بأنها تحاول إخفاء فرحتها، قد يكون حياءاً.. الأجواء العائلية ستتخذ شكلاً آخر في الفترة القادمة، فستتسع صلة القرابة بينهما، عزم على أن يقرب المسافات بينه وبين سلمى، ستكون الجلسات القادمة أكثر ألفة.. اتفق الجميع على التفاصيل.. وبعد أن غادر الزائرون، غادرت سلمى إلى حجرتها، في حين جلس والداها يتحدثان بسعادة عن مستقبلها.. كانت سلمى في نفس اللحظات تبكي في حجرتها، شعرت بأنها اتخذت قراراً مصيرياً.. الوقت مر سريعاً، ولم تكن تعلم جيداً أن خيارها لن يفرحها.. ها هو إبراهيم قد ذهب بلا عودة، لن تستطيع أن تتحدث معه مرة أخرى، كما أنها لن تشعر بالسعادة مع عمر.. أخذت تسبح في أفكارها طوال ليلتها وسط موجات الظلام، لكنها لم تصل إلى بر.. وأخيراً ذهبت في نوم عميق وهي غارقة في دموعها.. رأت إبراهيم ينظر إليها ويبتسم وهي تقف وسط الورود والأزهار في أحد الحدائق، إنه على مسافة بعيدة، لكنه يراها، وهي تراه.. يأتي عمر ليضع يده اليمنى على كتفها الأيمن، تختفي الأزهار والورود وإبراهيم، ويبدو مشهد عادي على أحد الأرصفة وتمر السيارات بشكل مستمر وسط الدخان والأصوات المزعجة...

                  ………………………………
                                   إلى اللقاء في الحلقة القادمة